بيان : المرج بالتحريك : الفساد والاضطراب والاختلاط . وفي بعض النسخ بالزاي المعجمة والأوَّل أظهر والوشي : نقش الثوب ويكون من كلّ لون . والسلوك : جمع بالسلك وهو جمع السلكة ـ بالكسر ـ : الخيط يخاط بها .
هل رأيت يا مفضّل هذا الطائر الطويل الساقين ؟ وعرفت ما له من المنفعة في طول ساقيه ؟ فإنّه أكثر ذلك في ضحضاح من الماء فتراه بساقين طويلين كأنّه ربيئة فوق مرقب وهو يتأمّل ما يدبّ في الماء فإذا رأى شيئاً ممّا يتقوّت به خطا خطوات رقيقاً (١) حتّى يتناوله ، ولو كان قصير الساقين وكان يخطو نحو الصيد ليأخذه يصيب بطنه الماء فيثور و يذعر منه فيتفرّق عنه فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته ولا يفسد عليه مطلبه .
تأمّل ضروب التدبير في خلق الطائر فإنّك تجد كلّ طائر طويل الساقين طويل العنق وذلك ليتمكّن من تناول طعمه من الأرض ولو كان طويل الساقين قصير العنق لما استطاع أن يتناول شيئاً من الأرض ، وربّما اُعين مع طول العنق (٢) بطول المناقير ليزداد الأمر عليه سهولةً له وإمكاناً أفلا ترى أنّك لا تفتّش شيئاً من الخلقة إذ وجدته على غاية الصواب والحكمة ؟ .
توضيح : ماء ضحضاح أي قريب القعر . والربيئة بالهمز : العين والطليعة الّذي ينظر للقوم لئلّا يدهمهم عدوٌّ ، ولا يكون إلّا على جبل أو شرف . والمرقب : الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب . والذعر : الخوف .
انظر إلى العصافير كيف تطلب أكلها بالنهار فهي لا تفقده ؟ ولا هي تجده مجموعاً معدّاً بل تناله بالحركة والطلب ، وكذلك الخلق كلّه فسبحان من قدّر الرزق كيف قوّته ؟ (٣) فلم يجعل ممّا لا يقدر عليه إذ جعل للخلق حاجة إليه ولم يجعله مبذولاً وينال بالهوينا إذ كان لاصلاح في ذلك فإنّه لو كان يوجد مجموعاً معدّاً كانت البهائم تتقلّب عليه ولاتنقلع حتّى تبشم فتهلك ، وكان الناس أيضاً يصيرون بالفراغ إلى غاية الأشر والبطر حتّى يكثر الفساد ويظهر الفواحش .
________________________
(١) وفي نسخة : خطوات رقيقات .
(٢) وفي نسخة : اعين على طول العنق .
(٣) وفي نسخة : كيف قدّره .