٧ ـ ج : عن عيسى بن يونس قال : كان ابن أبي العوجاء (١) من تلامذة الحسن البصريّ فانحرف عن التوحيد فقيل له : تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة ، قال : إنَّ صاحبي كان مخلّطاً يقول : طوراً بالقدر وطوراً بالجبر فما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه ، فقدم مكّة تمرُّداً وانكاراً على من يحجُّ ، وكان يكره العلماء مجالسته ومساءلته لخبث لسانه وفساد ضميره ، فأتى أبا عبد الله عليهالسلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه فقال : يا أبا عبد الله إنَّ المجالس بالأمانات ، ولابدَّ لكلِّ من به سعال أن يسعل أفتأذن لي في الكلام ؟ فقال الصادق عليهالسلام : تكلّم بما شئت ، فقال : إلى كم تدوسون هذا البيدر ، (٢) وتلوذون بهذا الحجر ، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر ، وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر ؟ إنَّ من فكّر في هذا وقدَّر علم أنَّ هذا فعل أسّسه غير حكيم ولا ذي نظر ، فقل فإنَّك رأس هذا الأمر وسنامه ، وأبوك اُسُّه ونظامه . فقال أبو عبد الله عليهالسلام :إنَّ من أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم الحقَّ ولم يستعذبه ، وصار الشيطان وليّه ، يورده مناهل الهلكة ثمَّ لا يصدره ، وهذا بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثَّهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محلَّ أنبيائه ، وقبلةً للمصلّين له ، فهو شعبةٌ من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ، ومجتمع العظمة والجلال ، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ، فأحقُّ من اُطيع فيما أمر وانتهي عمّا نهى عنه وزجر ، الله المنشىء للأرواح والصور . فقال ابن أبي العوجاء : ذكرت الله (٣) فأحلت على غائب . فقال أبو عبد الله عليهالسلام : ويلك كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم .
________________________
(١) عده السيد المرتضى رحمه الله في كتابه الامالي ممن كان يتستر باظهار الاسلام ويحقن باظهار شعائره والدخول في جملة أهله دمه وماله ، وكان في الباطن زنديقاً ملحداً ، وكافراً مشركاً ، وقال : حكى ان عبد الكريم بن أبي العوجاء قال ـ لما قبض عليه محمد بن سليمان وهو والي الكوفة من قبل المنصور ، وأحضره للقتل ، وأيقن بمفارقة الحياة ـ : لان قتلتموني لقد وضعت في أحاديثكم أربعة آلاف حديث مكذوبة مصنوعة .
(٢) البيدر : الموضع الذي يجمع فيه الحصيد ويداس ويدقّ .
(٣) في الامالي : ذكرت يا أبا عبد الله .