خوف عليك ، وثالثها أن معناه : لا حقيقة لعلمنا إذ كنا نعلم جوابهم وما كان من أفعالهم وقت حياتنا ، ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا ، (١) وإنما الثواب والجزاء يستحقان بما تقع به الخاتمة مما يموتون عليه ، ورابعها أن المراد : لا علم لنا إلا ما علمتنا ، فحذف لدلالة الكلام عليه ، وخامسها أن المراد به تحقيق فضيحتهم ، أي أنت أعلم بحالهم منا ، ولا تحتاج في ذلك إلى شهادتنا.
وفي قوله تعالى : « فلنسئلن الذين ارسل إليهم ولنسئلن المرسلين » : أقسم الله سبحانه أنه يسأل المكلفين الذين أرسل إليهم رسله ، وأقسم أيضا أنه يسأل المرسلين الذين بعثهم ، فيسأل هؤلاء عن الابلاغ واولئك عن الامتثال ، وهو تعالى وإن كان عالما بما كان منهم فإنما أخرج الكلام مخرج التهديد والزجر ليتأهب العباد بحسن الاستعداد لذلك السؤال ، وقيل : إنه يسأل الامم عن الاجابة ، ويسأل الرسل ماذا عملت اممهم فيما جاؤوا به ، وقيل : إن الامم يسألون سؤال توبيخ ، والانبياء يسألون سؤال شهادة على الحق. وأما فائدة السؤال فأشياء : منها أن تعلم الخلائق أنه سبحانه أرسل الرسل وأزاح العلة ، وأنه لا يظلم أحدا ، ومنها أن يعلموا أن الكفار استحقوا العذاب بأفعالهم ، ومنها أن يزداد سرور أهل الايمان بالثناء الجميل عليهم ، ويزداد غم الكفار بما يظهر من أعمالهم القبيحة ، ومنها أن ذلك لطف للمكلفين إذا اخبروا به. ومما يسأل على هذا أن يقال : كيف يجمع بين قوله تعالى : « ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون » (٢) « فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان » (٣) وقوله : « فلنسئن الذين ارسل إليهم » (٤) « فوربك لنسئلنهم أجمعين »؟ (٥)
والجواب عنه من وجوه : أحدها أنه سبحانه نفى أن يسألهم سؤال استرشاد و
____________________
(١) يؤيد ذلك قول عيسى بن مريم لله تعالى : « وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد » المائدة : ١١٧.
(٢) القصص : ٧٨.
(٣) الرحمن : ٣٩.
(٤) الاعراف : ٦.
(٥) الحجر : ٩٢.