استعلام وإنما يسألهم سؤال تبكيت وتقريع ، ولذلك قال عقيبه : « يعرف المجرمون بسيماهم » (١) وأما سؤال المرسلين فهو توبيخ للكفار وتقريع لهم ، وثانيها أنهم إنما يسألون يوم القيامة كما قال : « وقفوهم إنهم مسئولون » (٢) ثم تنقطع مسألتهم عند حصولهم في العقوبة وعند دخولهم النار ، وثالثها أن في القيامة مواقف ففي بعضها يسأل وفي بعضها لا يسأل فلا تضاد ، وأما الجمع بين قوله :فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون (٣) وقوله : « فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون » (٤) فهو أن الاول معناه أنهم لا يتساءلون سؤال استخبار عن الحال التي جهلها بعضهم لتشاغلهم عن ذلك والثاني معناه : يسأل بعضهم بعضا سؤال تلاوم كما قال في موضع آخر : « يتلاومون » (٥) وكقوله : « أنحن صددناكم عن الهدى » (٦) ومثل ذلك كثير في القرآن. ثم بين سبحانه ما ذكرناه أنه لا يسألهم سؤال استعلام بقوله : « فلنقصن عليهم » أي لنخبرنهم بجميع أفعالهم ليعلموا أن أعمالهم كانت محفوظة ، وليعلم كل منهم جزاء عمله وأنه لا ظلم عليه ، وليظهر لاهل الموقف أحوالهم « بعلم » قيل : معناه : نقص عليهم أعمالهم بأنا عالمون بها ، وقيل : معناه : بمعلوم كما قال : « ولا يحيطون بشئ من علمه » أي من معلومه ، وقال ابن عباس : معنى قوله : « فلنقصن عليهم بعلم » ينطق : عليهم كتاب أعمالهم ، كقوله سبحانه : « هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق » (٧).
« وما كنا غائبين » عن علم ذلك ، وقيل : عن الرسل فيما بلغوا ، وعن الامم فيما أجابوا ، وذكر ذلك مؤكدا لعلمه بأحوالهم ، والمعنى أنه لا يخفى عليه شئ.
١ ـ مع : أحمد بن محمد بن عبدالرحمن المقري ، عن محمد بن جعفر الجرجاني ،
____________________
(١) الرحمن : ٤١. وقد تقدم في الباب السابق حديث عن الرضا عليهالسلام تحت رقم ٤٦ فيه جواب عن ذلك أيضا.
(٢) الصافات : ٢٤.
(٣) المؤمنون : ١٠١.
(٤) الصافات : ٥٠.
(٥) القلم : ٣٠.
(٦) السباء : ٣٢.
(٧) الجاثية : ٢٩.