فإن التدبر في هذه الآيات الشريفة يفيدنا عدم المنافات بينها وبين آية المودة لأن الأجر المنفي في هذه الآيات هو المال ، والأنبياء أرقى من أن يأخذوا المال على تبليغ الدعوة الإلهية مع ما فيه من المشقة على البأس التي أشار الكتاب العزيز إلى ثقلها على الطباع فقال تعالى : ( أمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ) (١) وقال : ( أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٢) .
والأجر المطلوب في آية المودة لم يكن من سنخ المال حتى يثقل على الطباع البشرية تحمله ، لأن المقصود منه موالاة آل الرسول وهذا من سنخ الدعوة الإلهية فيليق بمقام النبوة الدعوة إليه والتعريف به ومن المناسب جداً لرسول المشرع الأقدس إعلام الأمة بما تستفيد منه السعادة الخالدة والزلفى إلى المهيمن سبحانه .
فإذاً يكون طلب النبي (ص) من أمته مودة آله الأقربين لطفاً منه وحناناً عليهم لإنارته لهم سبيل الخير ، وتعريفهم بالطريق اللاحب وهكذا المصلحون يتحرون بمن يريدون إصلاحهم كل وسيلة تأخذ بهم إلى أسمى الغايات .
على أن المحبة لآل الرسول تستوجب مودة النبي (ص) المسلتزمة لمحبة الله تعالى وطاعته كما جاء في المأثور عنه (ص) « أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي » (٣) وإني أخاصمكم عنهم غداً ومن أكن خصيمه خصمه الله
____________________
(١) سورة الطور ، الآية ٤٠ .
(٢) سورة المؤمنون ، الآية ٧٢ .
(٣) مستدرك الحاكم على صحيح البخاري ومسلم ، ولم يتعقبه الذهبي « ج ٣ ، ص ١٥٠ » .