والسر فيه أن كشف العوار يوقع النفرة بين الناس ويؤول إلى التباغض ويفت في عضد الاجتماع ويفك عرى الوئام ويؤدي إلى اختلال النظام ، ولهذا حرم سبحانه وتعالى ( الغيبة ) التي هي ذكر الشخص بما يكره و ( النميمة ) وهي السعاية بين الاثنين بنقل قول السوء من كل منهما للآخر وهكذا ما يجري مجراهما من المحرمات المنافية لحرمة المؤمنين الملقحة للعداوة بينهم المقلقة للسلام .
وفي الحديث عنه (ص) : لو تكاشفتم لما تدافنتم (١) فإن النكتة فيه أن كشف السرائر وإيقاف الناس عليها يوجب النفرة والمباينة والاستثقال حتى من دفنه وتشييعه ولو يشاهده عرضة للكلاب .
فإشاعة الفاحشة كما يستوجب تلك الأمور أيضاً يضاد الإرادة الإلٰهية المستتبعة لرأفة المولى تعالى ولطفه وكراهته للفتن والشرور ونشوب الإحن فالمرتكب لها محارب لله تعالى غادر لحقوق الناس بتلك المغبات الوخيمة وللتحفظ عن هذه الشائنة لم يكتف المولى سبحانه بالوعيد الأخروي حتى أضاف إليه العقاب الدنيوي ، وهو الحد إن كان قذفاً بالزنى واللواط والسحق ، والتعزير إن كانت الفاحشة المذاعة في الناس قذفاً بغير ذلك فقال تعالى : ( لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) ثم نبه جلَّ شأنه على شيء دقيق فقال ( للَّهَ يَعْلَمُ ) ما تكنه الضمائر من المحبة لإشاعة الفاحشة واظهار ما يريد الله ستره « وأنتم لا تعلمون » ما يترتب على ذلك من الخطر والفساد .
فالنهي عن إشاعة الفاحشة كما يتوجه إلى الرواة يشمل من يدون أقوالهم من دون تثبت في النقل فيرسلها في كتابه لأغراض
____________________
(١) تهذيب كامل المبرد ج ١ ، ص ٥٤ ، وعيون أخبار الرضا للصدوق ص ٢١٦ ، والأمالي للصدوق ص ٢٦٧ مجلس ٦٨ .