وقد ذكر الله عزّ وجل في غير آية من كتابه إثبات البعث منها قول الله عزّ وجل : ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) ، وقال : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
فأحال بقدرته على إحياء الموتى على قدرته على خلق السماوات والأرض التي هي أعظم جسما من الناس ومنها قوله عزّ وجل : ( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ).
فجعل النشأة الأولى دليلا على النشأة الآخرة ، كأنها في معناها. ثم قال : ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ).
فجعل ظهور النار على حرّها ويبسها من الشجر الأخضر على نداوته ورطوبته جواز على جواز خلقه الحياة في الرمّة البالية والعظام النخرة.
وقد نبّهنا الله عزّ وجل في غير آية من كتابه على إحياء الموتى ، بالأرض تكون حيّة تنبت وتنمي وتثمر ثم تموت فتصير إلى أن لا تنبت وتبقى خاشعة جامدة ، ثم يحييها فتصير إلى أن تنبت وتنمي ، وهو الفاعل لحياتها ومواتها ثم حياتها ، فإذا قدر على ذلك لم يعجز أن يميت الإنسان ويسلبه معاني الحياة ثم يعيدها إليه ويجعله كما كان.
ونبّهنا بإحياء النطفة التي هي ميتة وخلق الحيوان منها على قدرته على إحياء الموتى فقال عزّ وجل : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ) يعني نطفا في الأصلاب والأرحام فخلقكم منها بشرا تنشرون.
وقال تعالى : ( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ ) فأعلمنا أنه إذا أخرج النطفة من صلب الأب فهي ميتة ، ثم إنه جلّ ثناؤه جعلها حيّة في رحم الأم يخلق من يخلق منها ويركب الحياة فيه ، فهذا إحياء ميتة في المشاهدة ، فمن يقدر على هذا لا يعجز عن أن يميت هذا الخلق ثم يعيده حيّا.