ثم بسط هذا المعنى في آية أخرى فقال : ( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ).
ونبّهنا على ذلك بفلق الحبّ والنوى فقال عزّ وجل : ( إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) وذلك أن الحبّ إذا جفّ ويبس بعد انتهاء نمائه وقع اليأس من ازدياده ، وكذلك النوى إذا تناهى عظمه وجفّ ويبس كانا ميتين ، ثم إنهما إذا أودعا الأرض الحيّة فلقهما الله تعالى وأخرج منهما ما يشاهد من النخل والزرع حيّا ينشأ وينمو إلى أن يبلغ غايته ، ويدخل في هذا المعنى البيضة تفارق البائض ويجري عليها حكم الموت ، ثم يخلق الله منها حيّا فهل هذا إلا إحياء الميتة ، وهو أمر مشاهد والعلم به ضروري.
وقد نبّهنا الله عزّ وجل على إحياء الموتى بما أخبر من إراءة إبراهيم عليهالسلام إحياء الأموات ، وقد نقلته عامة أهل الملل.
وبما أخبر به عن الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم.
وبما أخبر به عن الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها فقال : أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه.
وبما أخبر به من عصا موسى عليهالسلام وقلبه إياها حيّة ، ثم إعادتها خشبة ، ثم جعلها عند محاجّة السحرة حيّة ، ثم إعادتها خشبة ، وقد اشتركت عامة أهل الملل في نقله.
وبما أخبر به من شأن أصحاب الكهف الذي ضرب على آذانهم زيادة على ثلاثمائة سنة ، ثم أحياهم ليدلّ قومهم عند ما أعثرهم عليهم على أن ما أنذروا به من البعث بعد الموت حق لا ريب فيه. وقد نقلنا الآثار في شرح ذلك في الأول من كتاب البعث والنشور.