فيحتمل ـ والله أعلم ـ أن هذا السور إنما يضرب عند انتهاء الصراط ، ويترك له باب يخلص منه المؤمنون إلى طريق الجنة ، فذلك هو الرحمة التي في باطنه ، وأما ظاهره ، فإنه يلي النار ، وإن كانت النار سافلة عنه لا محاذية إياه ، فإذا لم يجد المنافقون إلى باطن السور سبيلا ، فليس إلا أن يقذفوا من أعلى الصراط ، فيهوون منه إلى الدرك الأسفل من النار ، هذا باستهزائهم بالمؤمنين في دار الدنيا كما شرحنا في كتاب الأسماء والصفات.
قال البيهقي في شعب الإيمان ( ٢ / ٢٥٥ ).
فصل
في قول الله عزّ وجل : ( فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا ).
اختلف أهل العلم بالتفسير في معنى هذا الورود.
وقد يكون هذا الورود من وراء الصراط كما قال أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود ، وسمّاه باسم النار لأنه جسر جهنم ومنه يلقى فيها من يلقى ، ومنه تخطف الكلاليب من تخطف ، وعليه الحسك وألوان العذاب ما عليه ، إلا أن الله تعالى ينجي الذين اتقوا يعني بالجواز عنه ويذر الظالمين فيها جثيّا أي في جهنم على الرّكب بعد ما يلقى فيها من الصراط والله أعلم.
وقد روينا في الحديث الثابت عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤية قال : « فينصب الجسر على جهنم ويقولون : اللهمّ سلم سلم » ، قيل : يا رسول الله وما الجسر؟ قال : « دحض مزلّة عليه خطاطيف وكلاليب وحسك ، يكون بنجد فيه شوك يقال له السعدان ، فيمرّ المؤمن كطرف العين ، والبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل ، فناج مسلّم. ومخدوش مرسل ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى إذا خلص المؤمنون من النار ...