لقد أدرك ابن تيميّة مابين الأمرين من منافاة وتعارض صريحين ، فنفىٰ نفياً قاطعاً كون أبي بكر ممّن سُمّي في بعثة أُسامة (١) !!
لكنّ مثل هذا النفي لاينقذ الموقف ، خصوصا وأنّ ابن تيميّة لم يقدّم برهاناً ولا شبهةً في إثبات دعواه ، فيما جاء ذِكر أبي بكر في مَن سُمّي في ذلك الجيش في مصادر عديدة وهامّة ، أصحابها جميعاً من القائلين بصحّة تقدّم أبي بكر (٢).
أمّا نفي ذلك ، أو تحرّج بعض المؤرّخين عن ذِكره ، فإنّما مرجعه إلىٰ الاختيار الشخصي في مساندة المذهب ، لاغير ، حين أدركوا بيقين أنّ شيئاً ممّا استدلّوا به علىٰ إمامته سوف لايتمّ لو كان أبو بكر في مَن سُمّي في جيش أُسامة ، إذ هو مأمور بمغادرة المدينة المنوّرة أيّام وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، تحت إمرة أُسامة بن زيد الشابّ ابن الثماني عشرة سنة (٣) !.
لم يقف القائلون بالنصّ عند النصّ المتقدّم ، بل رجعوا إلىٰ مارأوا فيه نصّاً جليّاً علىٰ الخلافة ، لكنّها في الحقيقة نصوص تثير علىٰ نفسها بنفسها شكوكاً كثيرة لاتُبقي احتمالاً لصحّتها ، شكوكاً تثيرها الأسانيد والمتون معاً.. وأهمّ هذه النصوص :
__________________
(١) ابن تيميّة ، منهاج السُنّة ٣ : ٢١٣.
(٢) الطبقات الكبرىٰ ٤ : ٦٦ ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٨ : ١٢٤ ، تهذيب تاريخ دمشق ٢ : ٣٩٥ و ٣ : ٢١٨ ، مختصر تاريخ دمشق ٤ : ٢٤٨ رقم ٢٣٧ و ٥ : ١٢٩ رقم ٥٦ ترجمة أُسامة بن زيد وأيّوب بن هلال ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٧٧ ، تاريخ الخميس ٢ : ١٧٢ ، شرح نهج البلاغة ١ : ١٥٩ و ٢٢٠ و ٩ : ١٩٧.
(٣) الطبقات الكبرىٰ ٤ : ٦٦.