ذلك : أنّ بيعة الصدّيق لعمر لم تتوقّف علىٰ رضىٰ بقيّة الصحابة (١) !
لم يكن إذن لقاعدة الشورىٰ أثر في تعيين الخليفة !!
لعلّ هذه الملاحظات هي التي دفعت ابن حزم إلىٰ تأخير مبدأ الشورىٰ وتقديم النصّ والتعيين الصريح مِن قِبَل الخليفة السابق ، فقال : ( وجدنا عقد الإمامة يصحّ بوجوه ، أوّلها وأصحّها وأفضلها : أن يعهد الإمام الميّت إلىٰ إنسان يختاره إماماً بعد موته ) (٢) !
لقد أدركنا جيّدا هبوط مبدأ الشورىٰ في الواقع عن المرتبة التي احتلّها في النظريّة ، فتنازلنا عنه تنازلاً صريحاً ـ بعد إقراره ـ حين ذهبنا إلىٰ تصحيح واعتماد كلّ ماحدث علىٰ السّاحة رغم منافاته الصريحة لمبدأ الشورىٰ.
ولم نكتف بهذا ، بل ذهبنا إلىٰ تبرير تلك الوجوه المتناقضة بلا استثناء ، وبدون الرجوع إلىٰ أيّ دليل من الشرع ، ودليلنا الوحيد كان دائماً : ( فعل الصحابة ) رغم أنّنا نعلم علم اليقين أنّ الصحابة لم يجتمعوا علىٰ رأي واحد من تلك الآراء والوجوه.
كما أنّنا نعلم علم اليقين أيضاً أنّ خلاف المخالفين منهم وإنكار المنكرين كان ينهار أمام الحكم الغالب.
ورغم ذلك فقد عمدنا إلىٰ القرار الغالب والنافذ في الواقع ، فمنحناه
__________________
(١) مآثر الإنافة ١ : ٥٢ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ١٠ ، الأحكام السلطانية ـ للفرّاء ـ : ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) الفصل ٤ : ١٦٩.