قال : وهذا لاتقوم به حجّة في ذلك ، لأنّه خرج مخرج التمثيل ، للمبالغة في إيجاب السمع والطاعة (١).
وثبت النصّ واستقرّ ، ولا غرابة ، فهو نصّ صحيح ، بل متواتر.
وهو فوق ذاك ينطوي علىٰ فائدة أُخرىٰ ، فهو النصّ الذي يعزّز أركان هذه النظرية ، إذ يضفي الشرعية علىٰ الخلافة في كافة عهودها ، ابتداءً من أوّل عهود الخلافة ! وانتهاءً بآخر خلفاء بني العبّاس ، فهذا كلّ مايتّسع له لفظ القرشيّة هنا.
لمّا تغلب معاوية بالسيف بلغه أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص يُحدِّث أنّه سيكون ملك من قحطان ، فهبّ معاوية غضبا فجمع الناس وخطبهم قائلاً : أمّا بعد ، فإنّه بلغني أنّ رجالاً منكم يحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله ولاتؤثر عن رسول الله ، أُولئك جهّالكم ! فإيّاكم والأمانيّ التي تضلّ أهلها ، فإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « إنّ هذا الأمر في قريش ، لايعاديهم أحد إلاّ كبّه الله في النار علىٰ وجهه » (٢).
عرف المهاجرون القرشيّون الثلاثة ـ أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ـ هذا النصّ فاحتجّوا به علىٰ الأنصار في السقيفة ، فأذعن الأنصار ، وعاد القرشيّون بالخلافة ، أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ مالت عن أبي عبيدة ، لا لعدم كفاءته وهو القرشيّ المهاجر ، بل لأنّه قد توفّي في خلافة عمر ، فلمّا حضرت عمر الوفاة تأسّف عليه ، وقال : ( لو كان أبو عبيدة حيّاً
__________________
(١) مقدّمة ابن خلدون : ٢١٤ ـ ٢١٥ فصل ٢٦.
(٢) صحيح البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب ٢ / ٦٧٢٠.