والحقّ أنّ هذه القاعدة لم يكن لها عين ولا أثر من قبل.. فلم يكن أبو بكر مؤمناً بمبدأ الشورىٰ قاعدةً للنظام السياسي وأصلاً في انتخاب الخليفة ، ولا مارس ذلك بنفسه ، بل غلّق دونها الأبواب حين سلب الأُمّة حقّ الاختيار وممارسة الشورىٰ إذ نصّ علىٰ عمر خليفةً له ، ولم يُصغ إلىٰ ماسمعه من اعتراضات بعض كبار الصحابة علىٰ هذا الاختيار.
علماً أنّ اعتراض هؤلاء الصحابة المعترضين حينذاك لم يكن علىٰ طريقة اختيار الخليفة التي مارسها أبو بكر ، ولا قالوا : إنّ الأمر ينبغي أن يكون شورىٰ بين الأُمّة ، ولا احتجّ أحدهم بقوله تعالىٰ : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) ، وإنّما كان اعتراضهم علىٰ اختياره عمر بالذات ، فقالوا له : استخلفت علىٰ الناس عمر ، وقد رأيت مايلقىٰ الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلا بهم ؟! وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك (١) !
بل كان عمر صريحاً كلّ الصراحة في تقديم النصّ علىٰ الشورىٰ ، ذلك حين قال : ( لو كان سالمٌ حيّاً لَما جعلتها شورىٰ ) (٢) !!
إنّ عهداً كهذا ليلغي رأي الأُمّة بالكامل ، وحتىٰ الجماعة التي يُطلق عليها ( أهل الحلّ والعقد ) !
قالوا : إذا عهد الخليفة إلىٰ آخر بالخلافة بعده ، فهل يُشترط في ذلك رضى الأُمّة ؟
فأجابوا : إنّ بيعته منعقدة ، وإنَّ رضى الأُمّة بها غير معتبر ، ودليل
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٢ : ٤٢٥.
(٢) طبقات ابن سعد ٣ : ٢٤٨.