أنّ من عرف الله ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يقرّ به فهو مؤمن كامل الإيمان.
وبالمقابل برز فريق رابع يرىٰ أنّ الإيمان ـ حصراً ـ هو الإقرار باللسان فقط.
وتبلور عنه اتجاه يرىٰ أنّ الإيمان هو إقرار باللسان ولكن بشرط حصول المعرفة في القلب (١).
ولكن التدبر في آيات القرآن الكريم يكشف حقيقة أُخرىٰ للإيمان بعيدة عن كلِّ ما تقدم ، وهي أنّ الإيمان ليس مجرد العلم بالشيء والجزم بكونه حقاً ، لأنَّ الذين تبين لهم الهدىٰ لم يردعهم ذلك عن الارتداد علىٰ أدبارهم ولم يمنعهم من الكفر والصد عن سبيل الله ومشاققة الرسول كما في قوله تعالىٰ : ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ... إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ ) (٢) ومنهم من أضله الله علىٰ علم (٣).
فالعلم إذن لا يكفي وحده في المقام ما لم يكن هناك نوع التزام بمقتضاه وعقد القلب علىٰ مؤداه بحيث تترتب عليه آثاره ولو في الجملة.
ومن هنا يظهر بطلان ما قيل : أنّ الإيمان هو العمل ، وذلك لأنّ العمل يجامع النفاق ، فالمنافق له عمل ، وربما كان ممن ظهر له الحق ظهوراً
______________
١) التفسير الكبير ، للفخر الرازي ١ : ٢٣ ، ٢٥ الجزء الثاني.
٢) سورة محمد ٤٧ : ٢٥ و ٣٢.
٣) كما في سورة الجاثية ٤٥ : ٣٣ ( وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ).