عن شخصياتهم ، توخياً للثواب الجزيل علىٰ صدقة السر ، وبُعداً عن الرياء فكانوا في إعانة الملهوف كالبنفسج المختبىء بين لفائف الأدغال ينشق الناس طيبه ويحمدون عرفه وإن لم يعرفوا مكانه. وفي الخصال بسنده عن الباقر عليهالسلام : « كان علي بن الحسين عليهماالسلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب علىٰ ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم ، وربما حمل علىٰ ظهره الطعام أو الحطب حتىٰ يأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه ، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه فلما توفىٰ فقدوا ذلك فعلموا أنه كان علي بن الحسين ، ولقد خرج ذات يوم وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلق بالمطرف فمضىٰ وتركه » (١).
من جانب آخر أنّ المؤمن ألف مألوف ، يتحبب إلىٰ الناس ، ويسعىٰ لكسب رضاهم ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : « المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف » (٢). فالمؤمن لا يعيش منعزلاً خلف الأسوار العالية والابراج العاجية ، بل يتفاعل مع الناس ويحرص علىٰ مداراتهم والترَّفق بهم ، وقد اعتبر الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ : « مداراة الناس نصف الإيمان ، والرفق بهم نصف العيش » (٣).
وهناك قرينة اجتماعية قوية تفرز لنا الإيمان الحقيقي من المزيف وهي علاقة المؤمن بجيرانه ، فمن أحسن إليهم كشف لسان حاله عن عمق إيمانه. وقد صاغ الإمام الصادق عليهالسلام قاعدة تلازمية لا تقبل الخطأ بين الإيمان والإحسان إلىٰ الجيران ، عن أبي حمزة قال : سمعتُ أبا
______________
١) في رحاب أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، للسيد محسن الأمين ٣ : ١٩٤.
٢) اُصول الكافي ٢ : ١٠٢ / ١٧ كتاب الإيمان والكفر.
٣) المصدر السابق ٢ : ١١٧ / ٥.