الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وصلّىٰ الله علىٰ سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين..
وبعد : « إنّ الدعاء مخُّ العبادة ، ولا يهلك مع الدعاء أحد ».
بهذا البيان الوجيز يجمع الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم قيمة الدعاء وأثره في الحياة.. فإذا كان الله تعالىٰ قد قال : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) فإنّ الدعاء مخُّ العبادة وجوهرها ، الذي جعله القرآن الكريم في نصّ آخر مرادفاً للعبادة : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) ، فجعل الدعاء هنا ممثلاً للعبادة ومترجماً لها.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّ الدعاء هو العبادة » ثم تلا هذه الآية الكريمة التي تعبر عن هذا المعنىٰ ، وقال : « هي والله العبادة ، هي والله العبادة » يريد الدعاء..
ومن ناحية اُخرىٰ تعطي هذه الآية الكريمة صورة الدعاء المقابلة لصورة الاستكبار.. صورتان متضادتان ، تعكس الاُولىٰ خصائص العابد العارف بحق ربه تعالىٰ شأنه والعارف بحقيقته عبداً لله ، وبقيمة صلته بخالقه ومولاه ، فيما تعكس الثانية ، ملامح عاصٍ عنيد جافٍ بعيدٍ عن إدراك كل تلك المعاني الاُولىٰ.. ليعود بنا هذا المشهد إلىٰ تصديق دلالة الدعاء علىٰ العبادة ، وكون محلّه منها محل المخّ واللبّ والجوهر والمعنىٰ.
وهذا
هو الذي يفسّر لنا النصوص المعصومة التي تفيد بأنّ أفضل العبادة هو الدعاء.. ذلك أن غاية العبادة هي التقرب إلىٰ الله تعالىٰ بمعرفة
حقه وسلطانه الذي لا يشركه فيه أحد ، والتذلل إليه المعبر عن يقين المرء بحاجته إلىٰ من بيده ملكوت السماوات والأرض ، الذي لا معطي لما منع ،