وأخرى في تحديد الضابط الذي يسير عليه المولى في جعل المقدّمة من هذا القسم أو ذاك.
الكلام يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في تحديد مسئوليّة المكلّف تجاه هذه الأقسام من المقدّمات ، بمعنى أنّه في أي نوع من المقدّمات يكون مسئولا عن إيجاده وتحصيله؟ ومتى لا يجب عليه تحصيله ولا يكون مسئولا عنه؟
وهذا معناه أنّه يوجد ضابط وملاك على أساسه تتحدّد مسئوليّته وعدمها.
المقام الثاني : في تحديد الضابط الذي على أساسه يجعل الشارع المقدّمة وجوبيّة أو وجوديّة شرعيّة أو وجوديّة عقليّة ، في محاولة لاستكشاف الملاك الذي يسير عليه الشارع.
أمّا تحديد مسئوليّة المكلّف تجاه المقدّمات فحاصله : أنّ الوجوب ـ وكذلك كلّ طلب ـ لا يكون محرّكا نحو المقدّمات الوجوبيّة ، ولا مدينا للمكلّف بها ؛ لأنّه لا يوجد إلا بعد تحقّقها فكيف يكون باعثا على إيجادها؟! وإنّما يكون محرّكا نحو المقدّمات الوجوديّة بكلا قسميها ؛ لأنّه فعلي قبل وجودها فيحرّك لا محالة نحو إيجادها تبعا لتحريكه نحو متعلّقه ، بمعنى أنّ المكلّف مسئول عقلا من قبل ذلك التكليف عن إيجاد تلك المقدّمات ، وهذا التحريك يبدأ من حين فعليّة التكليف المجعول ، فقبل أن يصبح التكليف فعليّا لا محركيّة له نحو المقدّمات تبعا لعدم محرّكيّته نحو متعلّقه ؛ لأنّ المحرّكيّة من شئون الفعليّة.
أمّا المقام الأوّل : فمسئوليّة المكلّف تجاه القيود والمقدّمات إنّما تكون فيما إذا كانت من المقدّمات الوجوديّة بكلا قسميها ، دون ما إذا كانت من المقدّمات الوجوبيّة.
وبيان ذلك : أنّ المقدّمات الوجوبيّة إنّما يجب تحصيلها على المكلّف فيما إذا كان هناك ما يحرّك ويدعو إلى ذلك ، وهذا المحرّك ليس هو إلا الأمر والوجوب ، ولذلك فيفترض وجود الأمر والوجوب ليحرّك نحو هذه المقدّمات ، ويكون داعيا للمكلّف نحو إيجادها وتحصيلها ، وفي هذه الحالة لو فرض ثبوت الوجوب وكونه فعليّا فهذا معناه أنّ هذه المقدّمات ليس مقدّمات وجوبيّة ؛ لأنّ المقدّمات الوجوبيّة هي ما يتوقّف