وأمّا مشكلة الدور التي كانت واردة فيما لو أريد أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم نفسه ، فهذه لا تأتي هنا ؛ لأنّ التقييد إنّما كان في الجعل الثاني لا في نفس الجعل الأوّل ، بمعنى أنّ الشارع قد أخذ العلم بالحكم قيدا لا في نفس الأمر الأوّل وإنّما بالأمر الثاني ، فالعلم بالحكم الأوّل قد أخذ قيدا في الحكم الثاني ، فثبوت الحكم الثاني موقوف على ثبوت الحكم الأوّل ، وأمّا الحكم الأوّل فهو ليس موقوفا على العلم بالحكم الثاني ليلزم الدور.
وبتعبير آخر : إنّ العلم بالحكم الأوّل وإن كان قيدا في ثبوت الحكم الثاني ، إلا أنّ ثبوت الحكم الأوّل لم يؤخذ فيه العلم بالحكم الثاني ليلزم الدور أو توقّف الشيء على نفسه.
وأمّا كيفيّة تأثير الجعل الثاني على الجعل الأوّل في الإطلاق والتقييد ، فلأنّ الجعل الثاني لمّا كان ناشئا من نفس ملاك الجعل الأوّل فكان التقييد فيه بقوّة التقييد في الجعل الأوّل والإطلاق فيه بقوّة الإطلاق في الجعل الأوّل أيضا ، فالأمران معا كأنّهما أمر واحد ، وإنّما لم يجعل الشارع الأمر واحدا ؛ لأنّه لا يمكنه التوصّل إلى مراده الجدي وبيان ملاكه الواقعي بالأمر الواحد ؛ لأنّه سوف يبتلي بالإهمال ؛ لأنّ التقييد مستحيل فيستحيل معه الإطلاق.
هذا ملخّص ما ذكره الميرزا من حلّ للمشكلة.
إلا أنّ السيّد الشهيد لم يقبل هذه الفكرة ، ولذلك ردّ كلام الميرزا بقوله :
ويرد عليه : أنّه إن أراد تقييد الحكم في الجعل الثاني بالعلم بالجعل الأوّل فهذا التقييد ممكن في الجعل الأوّل مباشرة كما عرفت ، وإن أراد تقييد الحكم في الجعل الثاني بفعليّة المجعول في الجعل الأوّل المهمل فهذا غير معقول ؛ لأنّه يفترض أنّ فعليّة المجعول بالجعل الثاني فرع العلم بفعليّة المجعول بالجعل الأوّل المهمل ، وحينئذ نتساءل أنّ المجعول بالجعل الأوّل المهمل هل ترتبط فعليّته بالعلم به أو لا؟ فعلى الأوّل يعود المحذور وهو توقّف الشيء على العلم به ، وعلى الثاني يلزم الخلف وأن يكون الجعل المهمل الذي لا إطلاق فيه مطلقا ؛ لأنّ ثبوت مجعوله بدون توقّف على القيد هو معنى الإطلاق.
الإشكال على مقالة الميرزا بمتمّم الجعل ، وحاصله أن يقال : إنّ الجعل الثاني الذي