مخطئا ـ يرى في ذلك اجتماع الحكمين المتضادّين فيمتنع عليه أن يصدّق بالحكم الثاني ، وما يمتنع تصديق المكلّف به لا يمكن جعله ، وفي حالات إصابة القطع للواقع يستبطن الافتراض المذكور اجتماع الضدّين حقيقة.
وهذا الافتراض في حقيقته نحو من الردع عن العمل بالقطع بجعل حكم على القاطع مضادّ لمقطوعه ، واستحالته بتعبير آخر هي استحالة الردع عن العمل بالقطع.
الحالة الثانية : أن يؤخذ العلم بالحكم قيدا في موضوع حكم مضادّ لهذا الحكم ، كما إذا قيل : ( إذا قطعت بوجوب الصلاة فهي حرام عليك ) ، أو قيل : ( إذا قطعت بحرمة شرب الخمر فهو حلال لك ).
وفي هذه الحالة يقال أيضا بالاستحالة ؛ وذلك للتقريب التالي : أنّ من قطع بوجوب الصلاة مثلا فقطعه إمّا أن يكون مصيبا للواقع أو يكون مخطئا.
وعليه ، فإن كان قطعه مخطئا وفي الواقع لم تكن الصلاة واجبة ، ولكنّه لمّا علم بوجوبها فهو يعتقد أنّها واجبة ، فمثل هذا القاطع لا يمكنه أن يصدّق بأنّها محرّمة ؛ لأنّ تصديقه بذلك يعني أنّه يصدّق باجتماع الضدّين ، واجتماع الضدّين كما أنّه مستحيل الوقوع فكذلك هو مستحيل التصديق والاعتقاد به.
فالاستحالة في اجتماع الضدّين لا تتوقّف على الوقوع في الخارج ، بل هي تعمّ الوجود الذهني أيضا ، فكما لا يمكن وجود الضدّين معا في الخارج على موضوع واحد ، فكذلك لا يمكن وجودهما معا في الذهن على صورة ذهنيّة واحدة.
وإذا استحال التصديق بهما كذلك يستحيل للمولى أن يجعل مثل هذا الحكم ؛ لأنّه لا أثر ولا محرّكيّة له ، وما دام الحكم فاقدا للمحرّكيّة والباعثيّة كان جعله لغوا ، والشارع يمتنع في حقّه أن يشرّع ما هو لغو في نفسه.
وأمّا إن كان قطعه مصيبا للواقع ، فهذا معناه أنّ الصلاة واجبة واقعا والشارع قد حكم بوجوبها واقعا ، ومعه فبالإضافة إلى المحذور السابق سوف يردّ محذور اجتماع الضدّين واقعا وحقيقة ، بمعنى أنّ لازم الحكم المذكور أنّ الشارع قد حكم بوجوب الصلاة وبحرمتها أيضا ، وهذا مستحيل صدوره من الشارع الحكيم الملتفت ؛ لأنّه مستحيل في نفسه.