الحالة الثالثة : أن يؤخذ العلم بالحكم قيدا في موضوع حكم مماثل له ؛ كما إذا قيل : ( إذا علمت بوجوب الصلاة فقد وجبت عليك ).
وفي هذه الحالة يقال بالاستحالة أيضا ؛ للزوم محذور اجتماع المثلين ، فإنّ اجتماع المثلين كاجتماع الضدّين كلاهما مستحيل سواء كان المكلّف مصيبا في قطعه للواقع أم كان مخطئا ، فإنّه إذا كان مصيبا في قطعه فهذا معناه اجتماع المثلين واقعا على موضوع واحد ، وإن كان مخطئا في قطعه فلازمه اجتماع المثلين في اعتقاده وتصديقه بذلك ؛ لأنّه يرى أنّه مصيب بقطعه دائما ولا يرى أنّ قطعه مخطئ.
والوجه في استحالة المثلين : هو أنّ الحكمين المتماثلين كغيرهما من الأوصاف والأعراض الخارجيّة لا يمكن اجتماعهما معا مع الحفاظ على تعدّدهما ، فإذا كان شيء ما أسود فلا معنى لثبوت سواده مجدّدا بنحو يكون لكلّ سواد منهما وجود مستقلّ ومباين للآخر ، وهكذا في الأحكام الشرعيّة فإنّه إذا كان شيء ما حراما أو واجبا فلا معنى لإيجابه أو تحريمه مجدّدا ؛ لأنّه تحصيل للحاصل فيلغو.
وأجيب عن المحذور المذكور بأنّ اجتماع المثلين ممكن فيما إذا أدّى إلى التأكّد والتوحّد ، فيصبح الأمران أمرا واحدا والوجوبان وجوبا واحدا ولكنّه آكد وأشدّ ، نظير ما إذا قيل : ( أكرم العالم ) وقيل : ( أكرم الفقير ) فإنّهما إذا اجتمعا في شخص واحد لم يكن من اجتماع المثلين ؛ لأنّ الوجوبين يتّحدان ويتأكّدان بلحاظه. ولا يلزم منه تحصيل الحاصل واللغويّة ؛ لأنّ التأكّد فيه غرض عقلائي واضح.
وفيه : أنّ التوحّد والتأكّد إنّما يتصوّران فيما إذا كان بين الشيئين اللذين يراد توحيدهما وتأكيدهما رتبة عرضيّة ، ولم يكن أحدهما متوقّفا على الآخر ومترتّبا في وجوده عليه وفي طوله ، وإلا لكان التأكّد مستحيلا.
وتوضيحه : أنّنا إذا فرضنا شيئين في رتبة واحدة وفي عرض واحد في الوجود أمكن عروضهما على موضوع واحد فيصبحان شيئا واحدا آكد وأشدّ ، كما هو الحال في الأعراض والأوصاف الخارجيّة ، فإنّ عروض السواد على ما هو أسود يؤدّي إلى تأكّد السواد وصيرورته شديدا أكثر ممّا كان عليه سابقا.
وهكذا في مثل : ( أكرم العالم ) و ( أكرم الفقير ) فإنّ عروضهما على شخص واحد يتّصف بالوصفين معا يجعل من وجوب إكرامه وجوبا أكيدا ، ممّا يعني أنّه يوجد