فإنّه لمّا كان هذا الفعل واجبا ووجوبه فعليّ ، فالعقل يحكم بلزوم امتثاله وتحصيل سائر المقدّمات التي يتوقّف عليه الامتثال. إذا هذا الوجوب العقلي متفرّع عن الوجوب الشرعي للواجب.
وهذا المقدار ممّا لا إشكال فيه عند الأصوليّين.
وإنّما وقع الكلام في دعوى الوجوب الشرعي للمقدّمات ، فهل يحكم الشارع بوجوب المقدّمات أم يكتفي بالإلزام والإيجاب العقلي الثابت لها؟
ذهب المشهور إلى أنّ إيجاب شيء يستلزم إيجاب مقدّمته أيضا ، فتتّصف المقدّمة بالوجوب الشرعي مضافا إلى الوجوب العقلي ، غير أنّ هذا الوجوب ليس وجوبا نفسيّا ناشئا من مبادئ في نفس المقدّمة ، وإنّما هو وجوب تبعي غيري أي أنّه بتبع الواجب النفسي كان هذا الوجوب.
والوجه في ذلك هو أحد أمرين :
الأوّل : أن يكون الواجب النفسي هو العلّة لنشوء هذا الواجب الغيري ، فكان الواجب الغيري تابعا للوجوب النفسي من باب تبعيّة المعلول لعلّته. فمن هنا أطلق عليه الوجوب التبعي أي أنّه تابع لغيره وناشئ من غيره.
الثاني : أن يكون الوجوب النفسي والوجوب الغيري كلاهما تابعين للملاك الموجود في الواجب النفسي ، بمعنى أنّ الشارع لمّا لاحظ المبادئ من ملاك ومصلحة في الفعل تولّد من ذلك الوجوب النفسي فالوجوب تابع للملاك والمصلحة ، ولمّا لاحظ أنّ هذا الفعل لا يتحقّق إلا بمقدّمات يتوقّف وجوده عليها تولّد منه الوجوب الغيري ، فالوجوب النفسي والغيري كلاهما متولّدان من الملاك القائم في الفعل ، فهو الذي يسبّب وجود الوجوب النفسي المتعلّق بنفس الفعل ووجود الوجوب الغيري المتعلّق بمقدّمات الفعل ، ولذلك فكلاهما تابع للملاك ، فمن هنا كانت التسمية بالوجوب التبعي.
وعلى كلّ حال فسواء كانت التبعيّة على أساس الوجه الأوّل أو الوجه الثاني ، فلا إشكال في ثبوت الملازمة بين وجوب شيء نفسيّا ووجوب مقدّماته غيريّا ، غير أنّ التلازم على الوجه الأوّل يكون بين المقدّمات وذات الفعل مباشرة ؛ لأنّها معلولة له ، بينما على الوجه الثاني يكون التلازم بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها بتوسّط الملاك ؛ لأنّهما تابعان معا للملاك.