وأمّا الأمر الثاني : فإنّ مقدّمات الحرام على قسمين ، ولذلك لا بدّ من التفصيل بينها :
القسم الأوّل : المقدّمات التي لا ينفكّ عنها الحرام بحيث تكون العلّة التامّة لحصوله أو الجزء الأخير من العلّة التامّة لحصول الحرام ، كإلقاء الورقة في النار الذي يترتّب عليه الاحتراق ، وفرض أنّ الإحراق حرام كما هو ثابت بالنسبة لإحراق كلام الله عزّ وجلّ والقرآن والأحاديث بقصد الإهانة والهتك.
وهنا لا إشكال في كون هذه المقدّمات تتّصف بالحرمة الغيريّة ؛ وذلك لأنّ ملاك الحرام النفسي يتحقّق بها ، والحال أنّ المطلوب في الحرام هو ترك الفعل الذي تعلّقت به الحرمة ، وهذا الترك لمّا كان موقوفا على ترك علّته أو ما يكون بمثابة العلّة التامّة له أو جزئها الأخير ، فلا بدّ أن يتعلّق الحرام الغيري بالمقدّمات التي لا ينفكّ عنها الحرام ، فتكون مجموع المقدّمات محرّمة لا جميع المقدّمات ؛ إذ من الواضح أنّه لو أتى ببعض أجزاء العلّة دون البعض الآخر فسوف لن يتحقّق الحرام فلا تتّصف بالحرمة الغيريّة ، وإنّما يتّصف بها المجموع.
والمقدّمات من هذا القسم تسمّى بالمقدّمات التوليديّة ، أي التي تولّد الحرام بحيث تكون العلّة التامّة أو جزئها الأخير.
والقسم الثاني : هو المقدّمات التي ينفكّ عنها الحرام ، بمعنى أنّ الحرام قد يترتّب عليها وقد لا يترتّب ، ولذلك فهي ليست من قبيل العلّة التامّة أو جزئها الأخير للحرام ، بل هي من قبيل إيجاد المقتضي والسبب والمؤثّر والذي يتوقّف على عدم وجود المانع ، ومنه القصد والاختيار والإرادة من الغير ، فمثلا الجمع بين شخصين للزنا يكون مقدّمة للحرام ولكن قد يحصل الزنا وقد لا يحصل ؛ لأنّه موقوف على القصد والاختيار والإرادة من الغير لا من نفس الشخص الذي جمعهما.
وفي هذا القسم لا تتّصف المقدّمات بالحرمة الغيريّة ؛ لأنّ ترك الحرام لا يتوقّف على عدم هذه المقدّمات ؛ بل عليها وعلى شيء آخر ، ولذلك فهي لا تستتبع توليد الحرام بنفسها ولا تكون علّة له ولا يتوقّف عليها ، فلا تتّصف بملاك المقدّميّة فلا تحرّم.
وأمّا الأمر الثالث : فمقدّمات المكروه كمقدّمات الحرام ، فيفصّل فيها بين المقدّمات التوليديّة فتكون مكروهة غيريّا ، وبين المقدّمات الاختياريّة فلا تكون مكروهة كذلك.
* * *