وأمّا على إنكار الملازمة فلأنّ المقدّمة تبقى على حرمتها ولا يترشّح عليها وجوب غيري ، ولكنّ هذه الحرمة لا تكون فعليّة في مقامنا لفرض أهمّيّة الواجب ، ممّا يعني أنّ دليل الحرمة مقيّد بعدم الاشتغال بالواجب ، فإذا اشتغل بالواجب كانت المقدّمة المذكورة فيها حرمة تعليقيّة لا فعليّة ، إذ إنّها ترتفع عنها لفرض كونها مقدّمة للواجب الأهمّ ، فلا تعارض أيضا ولا تزاحم.
الصورة الثانية : فيما إذا اجتاز الأرض المغصوبة ولكنّه لم ينقذ الغريق بعد ذلك ، فهنا تظهر الثمرة ؛ لأنّنا تارة نقول بالملازمة ، وأخرى ننكرها. وعلى القول بالملازمة تارة نقول بوجوب مطلق المقدّمة ، وأخرى نقول بوجوب المقدّمة الموصلة فقط ، فالوجوه ثلاثة :
الأوّل : أن ننكر القول بالملازمة ، فهنا لن يترشّح وجوب غيري على المقدّمة فهي على حرمتها النفسيّة ، وهذه الحرمة فعليّة ، إذ لا يوجد ما يحول دون اتّصافها بالحرمة الفعليّة ؛ لأنّ ما يمنع من ذلك إنّما هو اقترانها بفعل الواجب الأهمّ والمفروض أنّه ترك الواجب ، فلم يتوصّل بها إلى الإنقاذ الواجب الأهمّ ، ولذلك يكون مقتضي الحرمة موجودا والمانع من فعليّة هذه الحرمة مفقودا ، فهي محرّمة ويكون قد ارتكب حراما حينئذ.
الثاني : أن نقول بالملازمة ولكن نقول : إنّ الوجوب الغيري يختصّ بالمقدّمة الموصلة فقط دون غيرها ، فهنا أيضا سوف يكون قد ارتكب حراما ؛ لأنّ الوجوب الغيري لا يترشّح إلى هذه المقدّمة ؛ لأنّها لم تكن موصلة لفعل الواجب ؛ لأنّه تركه بحسب الفرض ، فلذلك يكون مقتضي الحرمة موجودا والمانع مفقودا.
الثالث : أن نقول بالملازمة ونقول أيضا بأنّ الوجوب الغيري ينصبّ على مطلق المقدّمة سواء كانت موصلة أم غير موصلة ، فهنا لم يرتكب حراما ؛ لأنّه سوف يترشّح وجوب غيري من الواجب الأهمّ على هذه المقدّمة ، وحيث إنّ الواجب هو الأهمّ فيكون دليل الحرمة مقيّدا من أوّل الأمر بغير هذه الحصّة التي صارت مقدّمة للواجب ، ولذلك يرتفع عنها الحرمة ؛ لأنّ قيود الحرمة قيود للحرام أيضا ، فيكون الحرام هو غير هذه الحصّة وبالتالي لا تكون هذه المقدّمة إلا واجبة سواء حصل بعدها الواجب أم لا.