ثواب ولا عقاب زائدا على ما في الوجوب النفسي من ذلك.
وبهذا يظهر أنّه لا يوجد أي مبرّر ولا غرض للمولى في جعل الإيجاب الغيري فلا معنى لجعله ؛ لأنّه يكون ضرب من اللغو والعبث ، وهو مستحيل تصوّره بحقّ المولى عزّ وجلّ.
وأما الثاني : فمن أجل التلازم بين حبّ شيء وحبّ مقدّمته ، وهو تلازم لا برهان عليه ، وإنّما نؤمن به لشهادة الوجدان ، وبذلك صحّ افتراض الحبّ في جلّ الواجبات النفسيّة التي تكون محبوبة بما هي مقدّمات لمصالحها وفوائدها المترتّبة عليها.
ولو أنكرنا الملازمة بين حبّ الشيء وحبّ مقدّمته لما أمكن التسليم بمحبوبيّة هذه الواجبات النفسيّة.
المطلب الثاني : هو الإيمان والتسليم بالملازمة بين حبّ شيء وحبّ مقدّمته ، فتكون هناك محبوبيّة غيريّة للمقدّمة تبعا للمحبوبيّة النفسيّة للواجب.
وهذه الدعوى لا يمكن البرهان عليها وإنّما هي ثابتة وجدانا ، والوجه في ذلك هو أنّ الوجدان يقضي بأنّه كلّما تحقّقت الإرادة والشوق والحبّ في شيء استلزم ذلك نشوء الإرادة والشوق والحبّ الغيري نحو المقدّمات ، فمن يريد أن يفعل شيئا وتكون المبادئ موجودة فيه فإنّ هذه المبادئ سوف تسري إلى مقدّماته ؛ إذ لو لم يحبّ مقدّماته ولم يردها فلن يستطيع التوصّل إلى محبوبه النفسي ، فمن يريد شرب الماء مثلا فهو يبحث عنه ويحصّله ويهيّئه وهذه كلّها مقدّمات له.
ومن هنا كانت سائر الواجبات النفسيّة محبوبة تبعا لمحبوبيّة الملاكات والمصالح المترتّبة عليها ، إذ لو لم تكن هناك ملازمة بين حبّ شيء وحبّ مقدّماته لم يمكن القول بمحبوبيّة الواجبات النفسيّة ، وهو واضح البطلان.
والفرق بين ثبوت الملازمة هنا وعدم ثبوتها هناك أنّ الشوق والحبّ أثر تكويني فيعقل أن يستلزم حبّ شيء آخر بخلافه هناك ، فإنّ الجعل فعل اختياري للمولى (١).
__________________
(١) وعلّق السيّد الأستاذ على ذلك بقوله : إنّ الشوق والإرادة على نحوين :
الأوّل : تحريك العضلات ، والآخر : الحبّ وهو فعل اختياري للإنسان.
والوجدان يقضي بأنّ الإنسان إذا أراد شيئا فإنّه يتحرّك نحوه ، فهنا التلازم ثابت بين الإرادة والشوق وتحريك العضلات إلا أنّ ذلك خارج عن محلّ الكلام.