وأما الجواب : فهو أنّنا نختار الشقّ الثاني ، فيكون المحرّك المولوي نحو إيجاد المقدّمة هو الوجوب النفسي المتعلّق بذي المقدّمة ، فإنّ الأمر النفسي كما يحرّك ويدعو إلى إيجاد متعلّقه أي الواجب النفسي فهو يدعو أيضا إلى تحقيق كلّ ما يتوقّف عليه الواجب النفسي بالتبعيّة ، ولذلك قلنا : إنّ الوجوب الغيري ليس فيه محرّكيّة وداعويّة ومقرّبيّة زائدة على ما في الوجوب النفسي ، وهذا لا ينفي أصل المحرّكيّة والداعويّة ، والمقرّبيّة ، وإنّما ينفي كونها استقلاليّة وبمعزل عن الوجوب النفسي.
وعليه ، فنقول : إنّ التحرّك الذي هو قوام المقرّبيّة يمكن افتراضه بالنسبة للمقدّمة بأحد طريقين :
الأوّل : من خلال قصد التوصّل بالمقدّمة إلى ذيها ، فإنّ المكلّف إذا قصد التوصّل بالمقدّمة إلى ذيها حين الشروع في المقدّمة كان هذا القصد كافيا للتحرّك وبالتالي لقصد القربة ، دون ما إذا لم يقصد التوصّل بها إلى ذيها فإنّه في هذه الحالة لا يكون إتيانه بها قربيّا ؛ لعدم تحرّكه عن الأمر لا الغيري ولا النفسي ، أمّا الغيري فلأنّه لا وجود له بنحو مستقلّ ، وأمّا النفسي فلأنّه لم يقصده.
الثاني : من خلال افتراض ثبوت أمر نفسي متعلّق بالمقدّمة بقطع النظر عن كونها مقدّمة ، بحيث كان الأمر النفسي متعلّقا بها لأجل نفسها لا لكونها من أجل واجب آخر غيرها ، فهنا يمكن للمكلّف أن يتحرّك عن هذا الأمر النفسي ويكون قربيّا ، وهذا ما يمكن ادّعاؤه بالنسبة للطهارات الثلاث كالوضوء ونحوه ، حيث ثبت الأمر الاستحبابي النفسي بها فيمكن قصده والتحرّك عنه.
وكلا هذين الطريقين يحقّق القربيّة ؛ لأنّ القربيّة معناها أن يأتي المكلّف بالفعل مضافا إلى المولى ، أي أن يكون الفعل محبوبا للمولى ومن أجله ، فكلّ فعل يمكن أن يكون من أجل المولى فيكون قربيّا ويمكن التحرّك عنه بهذا القصد ؛ لأنّه يكون راجحا.
* * *