لا بدّ أن تضمن الحجّة تداركه ، إلا أنّ هذا لا يقتضي افتراض مصلحة إلا بقدر ما يفوت بسببها ، فإذا فرضنا انكشاف الخلاف في أثناء الوقت لم يكن ما فات بسبب الحجّة إلا فضيلة الصلاة في أوّل وقتها مثلا لا أصل ملاك الواقع لإمكان استيفائهما معا ، وهذا يعني أنّ المصلحة المستكشفة من قبل الأمر الظاهري إنّما هي في سلوك الأمارة والتعبّد العملي بها بالنحو الذي يجبر ما يخسره المكلّف بهذا السلوك ، وليست قائمة بالمتعلّق وبالوظيفة الظاهريّة بذاتها ، فإذا انقطع التعبّد في أثناء الوقت بانكشاف الخلاف انتهى أمد المصلحة.
وهذا ما يسمّى بالمصلحة السلوكيّة ، وعليه فلا موجب للإجزاء عقلا.
الإيراد الثاني على القول بالإجزاء : ذهب الشيخ الأنصاري إلى أنّ الأحكام الظاهريّة مجعولة على أساس المصلحة السلوكيّة ، بمعنى أنّ في سلوك الأمارة مصلحة ؛ إذ لو لم يكن فيها أيّة مصلحة لكان جعلها لغوا ، وعليه فيستكشف من جعل الأمارات أو الحكم الظاهري عموما وجود تلك المصلحة.
فإذا سلك المكلّف على طبق الأمارة ثمّ انكشف له أنّها مخالفة للواقع ، فهذا الانكشاف تارة يكون في أثناء الوقت وأخرى يكون خارجه.
فإن انكشف الخلاف في الوقت كان معناه أنّ المصلحة السلوكيّة في الأمارة لم تكن بمقدار مطابق لتمام مصلحة الواقع ، وإنّما بمقدار ما سلكه على طبق الأمارة وهو جزء من مصلحة الواقع ، وأمّا الجزء الباقي فالمفروض أنّه يمكن تحصيله ؛ لأنّ الوقت لا يزال باقيا فيأتي بالحكم الواقعي في الوقت ، وهذا معناه عدم الإجزاء.
وإن انكشف الخلاف بعد الوقت فهذا معناه أنّ المصلحة السلوكيّة على طبق الأمارة كانت مستوفية لتمام مصلحة الواقع ، ولكن هذا الاستيفاء كان متعلّقا بسلوك الأمارة لا بنفس متعلّق الحكم الواقعي ؛ لأنّ المفروض أنّ ما أتى به من فعل لم يكن هو المأمور به واقعا لفرض انكشاف الخطأ بعد الوقت ، وعلى هذا تكون مصلحة الواقع لا تزال فعليّة ؛ لأنّ المكلّف لم يأت بالمأمور به ولم يحقّق ملاكه ، ومن هنا كان لا بدّ من القضاء خارج الوقت ، وهو معنى عدم الإجزاء.
وبتعبير آخر : إنّ سلوك الأمارة لا بدّ أن يتضمّن وجود مصلحة في السلوك بقدر ما يفوت من مصلحة الواقع بسبب سلوك الأمارة ، وإلا لكان جعلها لغوا.