وعليه ، فإذا انكشف مخالفة الأمارة للواقع كشف ذلك عن أنّ الملاكات الواقعيّة بنظر الشارع ليست على طبق ما أدّت إليه الأمارة ، ممّا يعني أنّ الملاك لم يحصل ولم يتدارك فلا إجزاء.
وأمّا على القول بالسببيّة فيلزم التصويب ؛ وذلك لأنّه يفترض أنّ الحكم الظاهري يسبّب وجود مصلحة في متعلّقه ، وحينئذ لا بدّ من فرض كون هذه المصلحة مساوية أو أهمّ من مصلحة الواقع ؛ لأنّها إن كانت أقلّ أهمّيّة منها فمحذور تفويت المصلحة الذي طرحه ابن قبة يبقى على حاله. وعليه ، فما دامت المصلحة وافية بمصلحة الواقع فلن يكون هناك تفويت للملاك والغرض ، ومع عدم التفويت يحكم بالإجزاء لتحقّق ملاكه الثاني وهو استيفاء الغرض والملاك.
إلا أنّ هذا يؤدّي إلى أن يكون الوجوب الواقعي متعلّقا إمّا بالإتيان بالحكم الواقعي ، وإمّا بالإتيان بالحكم الظاهري على نحو التخيير ، فينقلب الأمر الواقعي من كونه تعيينيّا إلى كونه تخييريّا ومتعلّقا بالجامع بين الأمرين. وهذا لا يمكن أن يلتزم به ؛ لأنّ هذا الجامع يكون متعلّقه إمّا الحكم الواقعي وإمّا الأمارة المخالفة للواقع ، فإذا قامت لديه الأمارة فإن كانت موافقة للواقع فيكون قد أحرز الحكم الواقعي ، وإن كانت مخالفة للواقع فيكون قد امتثل الحكم الظاهري ، وهذا يفترض وجود حكم واقعي تخالفه الأمارة أو تصيبه ، ممّا يعني أنّ الجعل الواقعي تعييني في نفسه قبل الأمر بالجامع.
وحينئذ يستحيل وصول الأمر بالجامع إلى المكلّف ؛ لأنّ وصول الشقّ الثاني منه وهو الأمارة المخالفة للواقع يتوقّف على إحراز مخالفتها ، فإن أحرز مخالفتها لم يكن له العمل بها قطعا ، وإن لم يحرز مخالفتها لم يحرز وصول الشقّ الثاني من طرفي الجامع ، وإذا أحرز موافقتها فهو يعلم بالواقع أي بالشقّ الأوّل.
وبهذا يظهر أنّ الأمر بالجامع يؤدّي دائما إلى ثبوت الواقع التعييني دون الواقع التخييري الذي يلزم منه الإجزاء.
وعلى فرض ثبوت الواقع التخييري الذي لازمه الإجزاء فهذا لا يتمّ إلا بنحو من التصويب ؛ لأنّ التبدّل من التعيين إلى التخيير نحو من أنحاء التصويب.
وثانيا : إذا سلّمنا أنّ ما يفوت على المكلّف بسبب الحجّة الظاهريّة من مصالح