ومن الواضح أنّ اجتماع المصلحة والمفسدة أو المحبوبيّة والمبغوضيّة على شيء واحد ذاتا ومصداقا مستحيل ؛ إذ لا يمكن أن يكون واجدا للمصلحة والمفسدة معا ، أو للمحبوبيّة والمبغوضيّة معا. ولهذا كان اجتماع الضدّين مع توفّر سائر الحيثيّات والجهات مستحيلا.
الثانية : بلحاظ عالم النتائج والامتثال ، فإنّ الأمر يتطلّب من المكلّف التحرّك نحو الفعل ولزوم إيجاد متعلّقه وتحقيقه ، بينما النهي يتطلّب من المكلّف الامتناع والانزجار عن الفعل بمعنى عدم إيجاده وتحقيقه.
ومن الواضح أنّ المكلّف لا يمكنه في آن واحد أن يتحرّك نحو إيجاد شيء ولا يتحرّك نحوه ؛ لأنّ قدرة المكلّف إمّا أن يصرفها في هذا أو ذاك ولا يمكنه أن يصرفها فيهما معا ؛ لضيق قدرته عن ذلك ، فيمتنع اجتماعهما لذلك.
ولا يقال هنا بأنّ المكلّف لمّا كانت قدرته لا تتّسع إلا لأحدهما فقط فيكون مأمورا بكلا التكليفين على نحو الترتّب ، بمعنى أنّه إذا عصى الأهمّ أو المساوي كان الآخر فعليّا ، كما هو الحال في سائر الموارد التي تضيق قدرة المكلّف عن امتثال التكليفين كالصلاة والإزالة حيث يكون مأمورا بهما بنحو الترتّب ، أي مشروطا بترك أو عصيان الأهمّ أو المساوي.
لأنّه يجاب عن ذلك : أنّ الترتّب إنّما يمكن فرضه فيما إذا كان هناك تكليفان متعلّقان بموضوعين متغايرين ذاتا ومصداقا كالصلاة والإزالة ، فإنّ الصلاة مغايرة للإزالة مفهوما ومصداقا ، غاية الأمر أنّ المكلّف لمّا ضاق وقت الصلاة لم يمكنه إلا امتثال أحدهما فضاقت قدرته عن امتثالهما معا لذلك ، وإلا فلو كان الوقت متّسعا لامتثلهما معا من دون أي محذور.
وأمّا هنا فالأمر والنهي لمّا كانا متعلّقين بشيء واحد من جهة المفهوم والمصداق ، فضيق قدرة المكلّف ثابتة سواء كان الوقت متّسعا أم ضيّقا ؛ لأنّ التمانع والتضادّ بينهما في هذه الحالة ذاتي وليس عرضيّا ، ولذلك لا يمكن أن يكلّف بهما ولو بنحو مشروط ؛ لأنّ أحدهما ضروري الوقوع والتحقّق ، فإنّه إمّا أن يتحرّك أو لا يتحرّك ولا يوجد شيء آخر بينهما ، بخلاف الإزالة والصلاة فإنّه يمكنه مخالفتهما معا بأن يفعل شيئا آخر غير الصلاة والإزالة.