الخصوصيّة الثالثة : فيما إذا كان الأمر والنهي غير متعاصرين في الفعليّة زمانا.
وهنا تارة يكون الاضطرار إلى الدخول في الأرض المغصوبة باختيار المكلّف بأن دخل باختياره وإرادته إلى الأرض ، وهذا ما يسمّى بالاضطرار بسوء الاختيار حيث اختار المعصية فكان اختياره سيّئا.
وأخرى لا يكون الاضطرار للدخول إلى المغصوب عن اختيار منه بأن أكره أو ألجئ على ذلك ، فهنا رغم إرادته واختياره حصل منه الدخول.
ففي الحالة الأولى لا إشكال في كونه عاصيا بالدخول بخلاف الحالة الثانية ، ولكنّهما يشتركان معا في مسألة وهي أنّه بعد أن تحقّق منه الدخول وصار موجودا في الأرض المغصوبة ، فكونه وبقاؤه في المغصوب يعتبر غصبا أيضا فيكون مأمورا بالخروج من أجل تخليص نفسه من الغصب الزائد ، وهذا الحكم عقلي ؛ لأنّ العقل يحكم بالملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدّمته ، فلمّا كان تخليص النفس من المعصية واجبا وكان موقوفا على الخروج فيكون الخروج واجبا عقلا ، وعلى أساس الملازمة الشرعيّة بينهما يثبت وجوبه الشرعي أيضا.
وحيث إنّ الخروج يستلزم التصرّف في المغصوب أيضا ؛ لأنّه يتطلّب مقدارا من الزمان والمرور والمشي في المغصوب ، فيكون هذا التصرّف الغصبي الذي يستلزمه الخروج مضطرّا إليه المكلّف. نعم ، في حالة دخوله بسوء اختياره يكون هذا الاضطرار أيضا بسوء الاختيار بخلاف الدخول لا عن اختيار ، فإنّه يكون اضطرارا لا عن سوء اختيار.
والنتيجة هنا : هي أنّ المكلّف لمّا كان دخوله بسوء اختياره فيكون اضطراره إلى التصرّف الغصبي الزائد الذي يحتاجه الخروج الواجب عقلا أو عقلا وشرعا من سوء اختياره أيضا.
وقد تقدّم فيما سبق أنّ الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي التكليف عقابا وإدانة.
نعم ، هو ينافي التكليف خطابا ، بمعنى أنّه يستحقّ العقوبة ويكون مدانا ولكنّ الخطاب والتكليف من وجوب أو حرمة لا يشمله ؛ لأنّه مقيّد بالقدرة ، وهو هنا غير قادر على ترك الغصب كما هو واضح.
بخلاف ما إذا كان دخوله لا عن اختيار منه فإنّ هذا التصرّف الغصبي الزائد كما لا تكليف فيه كذلك لا إدانة ولا عقوبة عليه.