وحينئذ نقول : إنّ سقوط النهي تارة يكون تكليفا وملاكا ، وأخرى يكون بلحاظ التكليف دون الملاك.
فإن كان النهي ساقطا خطابا وملاكا تمّ ما ذكر ، وأمّا إن كان ساقطا خطابا فقط مع بقاء ملاكه فلا يتمّ القول المذكور.
وفي مقامنا النهي ساقط خطابا فقط ، ممّا يعني أنّ ملاكاته بما تتضمّن من المفسدة والمبغوضيّة لا تزال موجودة ، ولذلك استحقّ العقوبة بدخوله بسوء اختياره ؛ إذ لو كانت ساقطة لم يكن معنى لبقاء العقوبة. ومع بقاء المبادئ والملاك سوف تكون الصلاة حال الخروج فيها مبادئ الأمر من مصلحة ومحبوبيّة ، وفيها مبادئ النهي من مفسدة ومبغوضيّة فيلزم المحذور.
نعم ، لو كان النهي ساقطا خطابا وملاكا فلا محذور ، ولكن سقوط النهي كذلك لا يكون إلا بالنسخ أو بتبدّل الملاكات وكلاهما باطل ؛ لأنّ النسخ الحقيقي مستحيل وبمعناه الممكن يحتاج إلى دليل ؛ ولأنّ التبدّل معناه البداء وهو يستلزم الجهل وهو ممتنع.
وبهذا يظهر أنّنا حتّى لو قلنا بأنّ سوء الاختيار ينافي التكليف خطابا فلا يكفي عدم التعاصر الزماني لدفع المحذور ؛ لأنّ الملاكات والمبادئ لا تزال باقية على حالها.
وأمّا إذا أنكرنا هذا المبنى وقلنا بأنّ سوء الاختيار لا ينافي التكليف فضلا عن العقوبة ، فالنهي موجود بخطابه أيضا لا بملاكاته ومبادئه فقط ، فيكون محذور الاجتماع أوضح.
وبهذا ينتهي الكلام حول حكم الصلاة حال الخروج.
وقد واجه الأصوليّون هنا مشكلة اجتماع الأمر والنهي من ناحية أخرى في المقام ، وحاصلها : أنّه قد افترض كون الخروج مقدّمة للتخلّص الواجب من الغصب ، ومقدّمة الواجب واجبة ، فيكون الخروج واجبا فعلا مع كونه منهيّا عنه بالنهي السابق الذي لا يزال فعليّا بخطابه وروحه معا أو بروحه وملاكه فقط على الأقلّ.
فهل يلتزم بأنّ الخروج ليس مقدّمة للواجب ، أو بتخصيص في دليل حرمة التصرّف في المغصوب على نحو ينفي وجود نهي من أوّل الأمر عن هذه الحصّة من التصرّف ، أو بانخرام في قاعدة وجوب المقدّمة؟ وجوه بل أقوال :