وأمّا عدم تعلّق النهي بالخروج قبل أن يدخل إلى المغصوب فلأنّ النهي لا يكون فعليّا في هذا الظرف ، فلا يوجد إذا إلا الأمر بالصلاة فقط.
وأمّا إذا كان دخوله إلى الأرض المغصوبة بسوء اختياره ، فهنا قد يقال : إنّ الصلاة مأمور بها حال الخروج ومنهي عنها أيضا ؛ لأنّها في المغصوب ، ولكنّ الأمر والنهي ليسا متعاصرين في الفعليّة زمانا ، فإنّ زمان الأمر هو حال الخروج ؛ لأنّه في هذه الحالة يتوجّه إليه الأمر بالصلاة التي لا تستلزم المكث الزائد ، بينما زمان النهي عن الصلاة في المغصوب من حين الدخول إلى الأرض المغصوبة ، ولكنّه بعد أن دخل إلى المغصوب بسوء اختياره سقط هذا النهي عن الفعليّة وإن كان مدانا ويستحقّ العقاب على ذلك. فزمان النهي متقدّم على زمان الأمر ؛ لأنّه ثابت حين الدخول لا بعده ، وأمّا زمان الأمر فهو متأخّر عن زمان النهي ؛ لأنّه ثابت حال الخروج.
والنتيجة على ضوء ذلك : أنّه في حال الخروج لم يتعاصر الأمر والنهي ؛ إذ لا يوجد إلا الأمر فقط ، ومع عدم التعاصر بين الأمر والنهي في الزمان لا يلزم محذور الاجتماع ؛ لأنّ من شروط التضادّ وحدة الزمان أيضا ـ كما هو واضح ـ ولذلك تقع صلاته صحيحة أيضا وإن استحقّ العقاب بسبب دخوله بسوء اختياره ، ولكنّ السيّد الشهيد لا يرتضي هذا القول ، ولذلك علّق عليه بقوله :
ولكنّ التحقيق : أنّ ذلك لا يدفع التنافي بين الأمر والنهي ؛ لأنّ سقوط النهي لو كان لنسخ وتبدّل في تقدير الملاكات لأمكن أن يطرأ الأمر بعد ذلك ، وأمّا إذا كان بسبب الاضطرار بسوء الاختيار الذي هو نحو من العصيان ، فهذا إنّما يقضي سقوط الخطاب لا المبادئ ، فالتنافي بلحاظ المبادئ ثابت على كلّ حال. هذا إذا أخذنا بالقول السابق الذي يقول بأنّ الاضطرار بسوء الاختيار ينافي الاختيار خطابا ، وإذا أنكرنا هذه المنافاة فالأمر أوضح.
والتحقيق : أنّ عدم التعاصر الزماني بين الأمر والنهي لا يكفي لدفع غائلة التنافي بين الأمر والنهي ؛ وذلك لأنّ التنافي بينهما إنّما هو بلحاظ المبادئ والملاكات والمفسدة والمصلحة والمحبوبيّة والمبغوضيّة ، وليس مختصّا بلحاظ عدم القدرة على الامتثال في مقام المتطلّبات فقط.