ثانيها : أن تكون منحصرة أساسا ـ وبدون دخل للمكلّف في ذلك ـ في الفرد المحرّم ، وفي هذه الحالة يتّجه الوجوب الغيري نحو الفرد المحرّم إذا كان الوجوب النفسي أهمّ من حرمته ، وتسقط الحرمة حينئذ.
ثالثها : أن تكون منقسمة أساسا إلى فرد مباح وفرد محرّم غير أنّ المكلّف عجّز نفسه بسوء اختياره عن الفرد المباح.
الوجه الثالث : وهو ما يختاره السيّد الشهيد من انخرام قاعدة وجوب المقدّمة في مقامنا ، مع الإيمان بها في سائر الموارد ـ على القول بها طبعا ولو بلحاظ المبادئ ـ فيكون الخروج غير متّصف بالوجوب فلا يوجد إلا الحرمة.
وبيانه أن يقال : إنّ المقدّمة تنقسم بلحاظ أفرادها إلى أقسام ثلاثة :
الأوّل : أن تكون منقسمة إلى فردين مباح ومحرّم ، كما إذا وجب إنقاذ الغريق وكان لإنقاذه وسيلتان : إحداهما اجتياز الأرض المباحة ، والأخرى اجتياز الأرض المغصوبة ، فهنا يتعلّق الوجوب الغيري بالمقدّمة المباحة أي بالفرد المباح منها ، ولا يتعلّق بالفرد المحرّم.
والدليل على ذلك هو العقل فإنّه هو الحاكم بالملازمة وهو يحكم أيضا بلزوم امتثال الواجب في الفرد المباح ، وأمّا الفرد المحرّم ففيه مئونة زائدة وهي الحرمة ولا يوجد أيّ داع لارتكابها ؛ لأنّ العقل يحكم أيضا بلزوم إطاعة تكاليف المولى ، فيمكن للمكلّف أن يحصّل كلا الغرضين والملاكين فينقذ الغريق ولا يرتكب الحرام. وهذا واضح ، وهو خارج عن محلّ كلامنا.
الثاني : أن يكون للمقدّمة فرد واحد فقط ، وهو الفرد المحرّم خاصّة ، كما إذا وجب إنقاذ الغريق وتوقّف على اجتياز الأرض المغصوبة أو على إتلاف مال الغير ، فإنّ انحصار المقدّمة بالفرد المحرّم لا مدخليّة للمكلّف فيه ، وفي هذه الحالة تارة يكون الأهمّ هو الحرام ، وأخرى يكون الأهمّ هو الواجب.
فإذا كان الأهمّ هو الحرام سوف يكون الوجوب ساقطا عن الفعليّة ؛ لأنّ كلّ تكليف مشروط بالقدرة التكوينيّة بالمعنى الأعمّ الشاملة لعدم وجود المانع الشرعي ، وهنا يوجد مانع شرعي أهمّ. فتكون المقدّمة محرّمة لا غير.
وإذا كان الأهمّ هو الواجب فسوف يكون دليل الحرمة مختصّا بغير هذه الحصّة ؛