فمثلا من سبّب لنفسه المرض الشديد بسوء اختياره بأن شرب السمّ مثلا ، وتوقّف علاجه على تناول المحرّم ، فلا إشكال في كون تناول المحرّم مقدّمة للشفاء من المرض أو الموت ، فيتّصف بالوجوب مع كونه محرّما في نفسه.
إذا فما ذكره من إنكار المقدّميّة إنّما هو مختصّ في حالات كون الفعلين متضادّين. وأمّا في غيرهما من الحالات كالمثال المذكور فإنّ شرب الدواء ليس ضدّا للشفاء أو لعدم الشفاء ، فلا يتمّ ما ذكره ، ممّا يعني أنّ مشكلة اجتماع الأمر والنهي لا تزال قائمة ونحتاج إلى حلّ آخر غير ما ذكره.
وأمّا الوجه الثاني : فلا يمكن الأخذ به إلا مع قيام برهان على التخصيص المذكور ، بتعذّر أي حلّ آخر للمشكلة.
الوجه الثاني : ما يقال : من كون الخروج يتّصف بالوجوب العقلي وبالوجوب الشرعي الغيري أيضا ؛ لكونه مقدّمة للواجب ، إلا أنّ الحرمة ساقطة خطابا وملاكا في ذاك الفرض ، أمّا سقوطها خطابا فهو واضح وتامّ على جميع المسالك والمباني ؛ وذلك لفرض الاضطرار الرافع للتكليف ، وأمّا ارتفاعها ملاكا حال الخروج فلأنّ الخروج محبوب للشارع فلا يكون مبغوضا كذلك.
وهذا لازمه تخصيص دليل حرمة الغصب في غير الحصّة المقارنة مع الخروج ، فإنّها لا تكون محرّمة لا خطابا ولا ملاكا.
وفيه : أنّه إنّما يتمّ لو كان هناك دليل تام على التخصيص ، ولذلك يحتاج إلى قيام برهان على ذلك ، فمع عدمه لا يمكن المصير إليه ، مضافا إلى أنّ المصير إلى هذا الوجه إنّما يتّجه لو فرض عدم تماميّة الوجه الثالث الآتي مضافا إلى عدم تماميّة الوجه الأوّل أيضا. وسوف يأتي في الوجه الثالث أنّ البرهان قائم على بقاء الحرمة ولو بلحاظ مبادئها على الأقلّ.
وأمّا الوجه الثالث فهو المتعيّن ، وذلك بأن يقال : إنّ المقدّمة من ناحية انقسامها إلى فرد مباح وفرد محرّم على أقسام :
أحدها : أن تكون منقسمة إلى فردين من هذا القبيل فعلا ، وفي هذه الحالة يتّجه الوجوب الغيري نحو غير المحرّم خاصّة ؛ لأنّ الملازمة التي يدركها العقل لا تقتضي أكثر من ذلك.