فحضر وقت الصلاة ولكنّه أراق الماء بدلا من أن يتوضّأ به ، فهنا صار عاجزا عن الوضوء بسبب إراقته الماء لا بسبب عصيانه وتمرّده وعدم امتثاله لأمر الوضوء مع وجود الماء.
وهذا التعجيز تارة يكون بسوء الاختيار ، وأخرى لا يكون بسوء الاختيار ، والفعل الذي صار عاجزا عنه تارة يكون له بدل ، وأخرى لا يكون له بدل ، وسوف يأتي تفصيل ذلك لا حقا.
الثالث : أن يكون المكلّف قادرا على الفعل ولكن حينما يأتي وقت الامتثال يعرض عليه أمر يسلب عنه القدرة لا باختيار منه أو باختياره ، كما إذا كان لديه ماء فجاءت الريح فأراقته ، أو كان لديه ماء وجاء شخص مشرف على الموت من العطش فأعطاه إياه ، فهنا طرأ عليه العجز من دون أن يعصي اختيارا ومن دون أن يوقع نفسه بالمعصية.
وواضح أنّ الإدانة ثابتة في حالات السببين الأوّل والثاني ؛ لأنّ القدرة على الامتثال كافية لإدخال التكليف في دائرة حقّ الطاعة ، وأمّا في الحالة الثالثة فالمكلّف إذا فوجئ بالسبب المعجّز فلا إدانة ، وإذا كان عالما بأنّه سيطرأ وتماهل في الامتثال حتّى طرأ فهو مدان أيضا.
وعلى ضوء ما تقدّم يقال عادة : ( إنّ الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقابا ) ، أي أنّه لا ينفي القدرة بالقدر المعتبر شرطا في الإدانة والعقاب. ويراد بالاضطرار بسوء الاختيار ما نشأ عن العصيان أو التعجيز.
هل تسقط الإدانة في الحالات الثلاث أم لا؟
أمّا في الحالة الأولى : فإذا عصى المكلّف الأمر ولم يمتثل المأمور به حتّى فات الوقت ، فلا إشكال في ثبوت العقاب وكون المكلّف مدانا ؛ لأنّ زوال القدرة بقاء كان بسبب العصيان والتمرّد ، فزوال القدرة كان باختيار المكلّف تماما ، ومع الاختيار في عدم الامتثال يستحقّ المكلّف الإدانة بحكم العقل ؛ لأنّ العقل يحكم بوجوب الإطاعة والامتثال لأوامر المولى الذي له حقّ الطاعة.
وهكذا في الحالة الثانية ، فإنّ المكلّف لمّا كان قادرا على الفعل ولكنّه أوقع نفسه بالعجز اختيارا فصار مسلوب القدرة في الوقت عن الإتيان بالفعل ، فهو أيضا يستحقّ