وهكذا بلحاظ المبعّديّة فإنّ الوجوب يبعّد عن ترك الصلاة ، والنهي يبعّد عن فعل ترك الصلاة ، وفعل الترك ليس إلا الترك فيكون النهي مبعّدا عن الترك كالوجوب فيتّحدان.
وبهذا ظهر أنّ التأثير فيهما واحد فيتّحدان بهذا اللحاظ.
البيان الثاني : أنّ وجوب الشيء عين ضدّه العامّ بلحاظ عالم المفهوم ؛ وذلك لأنّ النهي عن الشيء معناه طلب نقيضه ، فإذا قيل ( لا تشرب الخمر ) معناه أنّه يريد نقيض الشرب أي ( أريد عدم شرب الخمر ) ، فيكون النهي مركّبا من المنع والزجر عن الفعل مع طلب الترك.
وعليه ، فإذا تعلّق النهي بترك شيء كما إذا قيل : ( لا تترك الصلاة ) ، فحيث إنّ النهي عن شيء معناه طلب نقيضه فيكون معنى ( لا تترك الصلاة ) بقوّة ( أريد عدم ترك الصلاة ) ، وإرادة عدم الترك معناها إرادة الفعل فيكون المعنى ( أريد فعل الصلاة ).
والنتيجة هي : أنّ النهي المتعلّق بترك شيء عبارة أخرى عن إرادة فعله. وإرادة الفعل هي نفس الأمر بالفعل ؛ لأنّ إرادة فعل الصلاة هي نفس الأمر بفعل الصلاة ، وهذا معناه اتّحاد الأمر والنهي عن الترك في المعنى والمفهوم.
ويرد على التوجيه الأوّل أنّه لا يفي بإثبات حرمة الضدّ حقيقة.
وعلى التوجيه الثاني بأنّه يرجع إلى مجرّد التسمية ، هذا مضافا إلى أنّ النهي عن شيء معناه الزجر عنه لا طلب نقيضه.
والجواب : عن هذه المقالة أن يقال : إنّ العينيّة بين وجوب شيء والنهي عن ضدّه العامّ باطلة في نفسها كما تقدّم ، وما ذكر من التوجيه بتقريبيه غير تامّ أيضا.
أمّا التوجيه الأوّل ، فكان حاصله الاتّحاد في مقام التأثير ، وفيه أنّ الاتّحاد المذكور ليس حقيقيّا ؛ لأنّه لو كان حقيقيّا فكان اللازم تعدّد العقوبة على المخالفة ، إحداهما على مخالفة الوجوب ، والأخرى على مخالفة النهي ، وهذا اللازم واضح الفساد بداهة.
وما دام الاتّحاد ليس حقيقيّا فلا يفيد ذلك في إثبات حرمة الضدّ العامّ بما تعبّر عنه من مبادئ وملاكات ، ومجرّد ثبوت عنوان الحرمة خاليا عن المبادئ ليس إلا مجرّد صياغة لفظيّة لا أكثر ما دامت خالية عن المضمون والمحتوى.