القول الأوّل : أنّ وجوب الشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ ؛ لأنّه عينه ، فالأمر معناه طلب الفعل بينما النهي معناه طلب الترك ، فإذا ثبت أحدهما ارتفع الآخر لا محالة لاستحالة اجتماع النقيضين معا ، وهذه المقالة للميرزا.
ولمّا كانت هذه المقالة غريبة ، فقد وجّهت بأحد بيانين :
أمّا وجه الغرابة فيها : فهو أنّ الوجوب مغاير للتحريم ؛ وذلك لأنّ مفهوم الوجوب عبارة عن البعث والإرسال ؛ بينما مفهوم النهي عبارة عن الزجر والإمساك ، فكيف يكون أحدهما عين الآخر؟! ولأنّ الوجوب يعبّر عن المصلحة والمحبوبيّة والتحريم يعبّر عن المفسدة والمبغوضيّة فكيف يكون أحدهما عين الآخر؟!
وأمّا توجيه هذه المقالة فهو بأحد بيانين :
البيان الأوّل : أنّ وجوب الشيء عين ضدّه العامّ في مقام التأثير لا عينه في عالم الحكم والإرادة.
أمّا إنّه ليس عينه في عالم الحكم والإرادة فواضح ؛ لأنّ الوجوب كحكم معناه البعث والتحريك بينما النهي معناه الزجر والمنع وهما متغايران مفهوما ومصداقا : أمّا مفهوما فلأنّ الصورة الذهنيّة لكلّ منهما مباينة للأخرى ، وأمّا مصداقا فلأنّ البعث والتحريك يقتضي الفعل ؛ بينما الزجر والمنع يقتضي الترك. وهكذا بالنسبة لعالم الإرادة فإنّ المولى إمّا أن يريد البعث أو يريد الزجر ، وإمّا أن يحبّ الفعل أو يحبّ الترك.
ولكنّ المدّعى أنّه عينه في مقام التأثير ؛ وذلك لأنّ وجوب الشيء يقرّب المكلّف نحو الفعل ويبعّده عن الترك ، والنهي يقرّب المكلّف نحو الترك ويبعّده عن الفعل ، فإذا وجبت الصلاة كان هذا معناه أنّ الوجوب يقرّب المكلّف نحو الفعل ويبعّده عن الترك ، وحيث إنّ وجوب الشيء عين النهي عن ضدّه العامّ فسوف يكون النهي متعلّقا بترك الصلاة ، فيكون النهي مقرّبا نحو ترك ترك الصلاة ؛ لأنّ النهي يقرّب نحو ترك متعلّقه ويكون مبعّدا عن فعل ترك الصلاة ؛ لأنّ النهي يبعّد عن فعل متعلّقه.
وحينئذ تكون النتيجة : أنّ الوجوب يقرّب نحو فعل الصلاة وهو عين ما يقرّب إليه النهي المتعلّق بضدّها العام ؛ لأنّه يقرّب إلى ترك ترك الصلاة ، ومن المعلوم أنّ ترك الترك عبارة أخرى عن الفعل ، فيكون مقرّبا إلى فعل الصلاة فيتّحدان.