والآخر : المانعيّة بمعنى التمانع والتضادّ في الوجود ، وهذا التمانع ليس دخيلا عدمه في العلّيّة ؛ وذلك لأنّ التمانع بين الضدّين إنّما هو لأجل عدم إمكان الاجتماع في الوجود.
ففي مثال الإزالة والصلاة يوجد بينهما تمانع في الوجود بحيث لا يمكن اجتماعهما. ولكن إذا فرضنا وجود المقتضي لأحدهما كما إذا أراد المكلّف الصلاة ، فإنّ هذا المقتضي مع توفّر الشرط يكون هو المانع من وجود الضدّ الآخر أي الإزالة ، لا أنّ نفس الصلاة هي التي تمنع من وجود الإزالة بحيث تكون دخيلة في عدم تأثير المقتضي للإزالة مع وجوده ؛ لأنّه مع وجود المقتضي للإزالة تكون الصلاة منتفية بسبب عدم وجود المقتضي لها كذلك.
وبهذا نعرف أنّ المانع لوجود الضدّ إنّما هو وجود المقتضي لضدّه ، فانتفاء المقتضي للضدّ يعتبر من أجزاء العلّة ؛ لوجود الضدّ الآخر.
وهذا معناه أنّ الضدّين في رتبة واحدة بحيث لا طوليّة ولا تقدّم ولا تأخّر ولا توقّف لأحدهما على الآخر. وإنّما هما في رتبة واحدة عرضيّة ، وما يكون مقدّمة وفي طول الآخر إنّما هو المقتضي فإنّه مقدّمة لوجود الضدّ ، وعدمه من أجزاء العلّة لوجود الضدّ الآخر.
والجواب الثاني : أنّ افتراض المقدّميّة يستلزم الدور ، كما أشرنا إليه في الحلقة السابقة (١) ، فلاحظ.
الجواب الثاني على ما تقدّم من برهان إثبات المقدّميّة هو لزوم الدور.
وبيانه : أنّه لو كان عدم الضدّ مقدّمة للضدّ الآخر ، فحيث إنّ المقدّميّة من الطرفين فيكون عدم الضدّ الآخر مقدّمة للضدّ الأوّل ، فيلزم أن يكون الضدّ الأوّل معلولا لعدم الضدّ الثاني ، بينما يكون الضدّ الثاني معلولا للضدّ الأوّل.
وهذا معناه أنّ الشيء في نفسه يكون علّة ومعلولا ومتقدّما ومتأخّرا ، ومن ذلك يلزم الدور ؛ لأنّ الضدّ الأوّل لمّا كان موقوفا على عدم الضدّ الثاني ، والضدّ الثاني لمّا كان موقوفا على عدم الضدّ الأوّل فيكون الضدّ الأوّل موقوفا على عدم ( عدم الضدّ الأوّل ) ، أي على وجود الضدّ الأوّل فيتوقّف على نفسه ، وهو دور.
فمثلا لو كان عدم الإزالة علّة ومقدّمة للصلاة ، وحيث إنّ التمانع والمقدّميّة من
__________________
(١) في بحث الدليل العقلي ، تحت عنوان : اقتضاء وجوب الشيء لحرمة ضدّه.