مصلحة ينبغي وقوعها وليس كلّ مفسدة ينبغي عدم وقوعها ، وإنّما يرتبط بذلك بما يلاحظه الشارع ويجعله ، فليس كلّ مصلحة يوجبها وليس كلّ مفسدة يحرّمها ؛ لأنّ الجعل فعل اختياري للشارع يجعله متى ما تعلّقت إرادته وشوقه ، وهذا يعني أنّ مجرّد المصلحة والمفسدة بذاتيهما لا يقتضيان الإيجاب والتحريم ، بل لا بدّ من وجود الشوق والإرادة المولويّة للجعل.
نعم ، جعل الوجوب والتحريم يكشف بالملازمة عن وجود المصلحة والمفسدة في متعلّقيهما.
ولهذا فيكون إدراك المصلحة والمفسدة من مختصّات الحكم العقلي النظري ؛ لأنّه إدراك لما هو موجود وواقع. ولا يدخلان في مدركات الحكم العقلي العملي ؛ لعدم استتباعهما الجري العملي على وفقهما بذاتهما.
وهذا بخلاف الحسن والقبح كما تقدّم فإنّهما من مختصّات مدركات العقل العملي ؛ لأنّهما يقتضيان الجري العملي على طبقهما ، وإن كانا بالتحليل والملاحظة يرجعان إلى الحكم النظري أيضا ، باعتبارهما صفتان واقعيّتان لهما وجود واقعي في عالم الواقع ونفس الأمر بقطع النظر عن صدورهما من الفاعل أو عدم صدورهما منه.
ونحن حينما نتكلّم عن الملازمة بين حكم العقل وحكم الشارع فهذا يعني ملاحظة حكم العقل النظري تارة وحكم العقل العملي أخرى. فالبحث يقع في مقامين :
المقام الأوّل : الملازمة بين الحكم النظري للعقل مع حكم الشارع.
المقام الثاني : الملازمة بين الحكم العقلي العملي مع حكم الشارع.
* * *