الثالثة : الروايات التي تمنع من التوجّه ابتداء إلى الأدلّة العقليّة ، وهذه مفادها أنّه لا بدّ من طلب حكم الله تعالى من الكتاب والسنّة أوّلا ، فمع عدم وجوده فيهما حينئذ يتوجّه إلى الأدلّة العقليّة. والسرّ في ذلك هو أنّ الأدلّة الشرعيّة كثيرا ما تحول دون حصول القطع من الاستدلالات العقليّة ؛ لأنّ العقل قد يخطئ في اكتشافه للملاك بتمامه مع كلّ ما أخذ فيه ، كما هو الحال في رواية أبان الواردة في دية أصابع المرأة ، حيث استغرب أبان كيف تكون دية الأربع أصابع عشرين مع كون دية الثلاثة أصابع ثلاثين ، فإنّ استغرابه هذا ناشئ من استدلاله بعقله على الحكم من دون أن يرجع فيه أوّلا إلى أهل البيت عليهمالسلام.
وهكذا يظهر أنّ الروايات ليست دليلا على المنع من الأخذ بدليل العقل القطعي.
وبهذا ينتهي البحث في الدليل العقلي وبذلك نختم الكلام في مباحث الأدلّة من الحلقة الثالثة.
وقد كان الشروع فيها في اليوم التاسع عشر من جمادى الثانية ١٣٩٧ ه. ق ، وكان الفراغ في اليوم الثالث والعشرين من شهر رجب ٣٩٧ ه. ق.
وبما ذكرناه يتمّ الجزء الأوّل من الحلقة الثالثة ، ويتلوه الجزء الثاني الذي تكتمل به هذه الحلقة إن شاء الله تعالى ، وهو في مباحث الأصول العمليّة. وإلى المولى سبحانه نبتهل أن يتقبّل منّا هذا بلطفه ، ويوفّقنا لمراضيه ، والحمد لله أوّلا وآخرا.
* * *