إلا أنّ ملاك الصلاة يبقى ثابتا ولا موجب لسقوطه ؛ لأنّه يقتصر في موارد التساقط بالتعارض على المقدار الذي يحلّ به التعارض وهو لا يزيد هنا عن الأمر فقط ، فسقوط المقدار الزائد مئونة إضافية لا مبرّر لها.
ولكن يجاب عن ذلك : أنّ الملاك وإن كان كافيا في بعض الحالات لإثبات صحّة العبادة وإمكان التقرّب بها حتّى مع سقوط الأمر ـ كما إذا كان ممنوعا من استعمال الماء لمرض ونحوه فنسي وتوضّأ ، فإنّه وإن لم يكن فيه أمر ولكنّه استوفى الملاك منه فيقع صحيحا ومجزيا مع فرض تحقّق قصد القربة منه ـ إلا أنّه في مقامنا حيث حكمنا بالتعارض والتساقط بين الدليلين فكما يسقط الخطاب بالصلاة يسقط الملاك أيضا لنفس نكتة التعارض ، فإنّ الملاك لا يمكن الكشف عنه إلا عن طريق الأمر والخطاب ، فإذا سقط الأمر الكاشف عن الملاك سقط الملاك المنكشف به ؛ لأنّ المدلول الالتزامي تابع في الحجّيّة للمدلول المطابقي (١).
__________________
(١) يمكننا هنا إضافة تخريجين آخرين لتصحيح الصلاة مع فرض مخالفة الواجب الأهمّ :
الأوّل : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) من أنّه يوجد أمران أحدهما بالأهمّ والآخر بالجامع بين الواجبين المتضادّين ، فإذا عصى الأهمّ يكون قد عصى أحد الخطابين فيبقى الخطاب الآخر ثابتا بحقّه ، فإذا صلّى يكون قد حقّق أحد فردي الجامع المأمور به فتقع صحيحة.
وجوابه : أنّه ممكن ثبوتا إلا أنّه لا دليل عليه إثباتا ، فإنّه لا يوجد فيما عندنا من الآيات أو الروايات ما ظاهره مثل هذين الأمرين.
الثاني : ما ذكره المحقّق العراقي من أنّه يوجد أمر ونهي في موارد التزاحم بين الواجبين ، أمر بالواجب الأهمّ أو بأحد الواجبين إن كانا متساويين ، ونهي عن الجمع بين ترك كلا الضدّين الواجبين ، وفي مقامنا إذا ترك المكلّف الواجب الأهمّ يكون عاصيا لخطاب الأمر ، إلا أنّه يبقى عليه أن يمتثل لخطاب النهي ؛ وذلك بأن لا يترك الصلاة في المقام ؛ لأنّه إذا تركها مضافا إلى تركه للواجب الآخر يكون قد جمع بين ترك كلا الضدّين. وعليه ، فإذا صلى يكون قد امتثل لخطاب النهي ، فيكون مطيعا بصلاته لوجوب خطاب بها فتقع صحيحة ومجزية.
وجوابه : أنّه وإن كان ممكنا ثبوتا ، إلا أنّه لا دليل عليه إثباتا كما تقدّم في الجواب السابق ، مضافا إلى أنّ تحويل الأمرين بالواجبين إلى أمر ونهي على خلاف الظاهر جدّا.