وثانيا : لا ينطبق على الضدّ الخاصّ في حالة الضدّين اللذين لا ثالث لهما لنفس السبب السابق ، حيث إنّ عدم الاشتغال بأحدهما يساوق وجود الآخر حينئذ ، والحال هنا كالحال في النقيضين.
الخصوصيّة الثانية : هي أنّ الضدّ لا ينطبق على الضدّين اللذين لا ثالث لهما.
والوجه في ذلك أنّ الضدّين : وهما الأمران الوجوديّان المتنافيان اللذان يتعاقبان على موضوع واحد ، إن لم يكن لهما ثالث فهما عمليّا في نفس حكم النقيضين ، فإن عدم الثالث لهما يعني استحالة ارتفاعهما ، فإذا ارتفع أحدهما تعيّن ثبوت الآخر ، بخلاف موارد الضدّين اللذين لهما ثالث ، فإنّهما وإن كان من المستحيل اجتماعهما إلا أنّه يمكن ارتفاعهما في الثالث ، فإن لم يكن لهما ثالث صار ارتفاعهما كاجتماعهما مستحيلا ، وهذه الخصوصيّة نفس خصوصيّة النقيضين فإنّه يستحيل اجتماعهما وارتفاعهما.
وحينئذ إذا دار أمر المكلّف بين ضدّين لا ثالث لهما ، كالجهر والإخفات في القراءة حال الصلاة أو كالقصر والتمام في الركعات حال الصلاة ، فالمكلّف إمّا إن يقع منه هذا أو ذاك ، ويستحيل أن يقع منه كلا الأمرين في وقت واحد ، كما يستحيل ألاّ يقع منه أحدهما أيضا. نعم ، الاستحالة هنا عقليّة بالنسبة للجهر والإخفات ، بينما للقصر والتمام الاستحالة ثابتة بسبب المنع الشرعي عن غير القصر والتمام.
وعلى كلّ حال فإذا ترك أحد هذين الضدّين استحال تكليفه وأمره بالضدّ الآخر لا مطلقا ولا مشروطا.
أمّا الأوّل فلأنّه يعني طلب الجمع بينهما ، وهما كالنقيضين يستحيل اجتماعهما معا ، فإنّ الأمر المطلق معناه كونه فعليّا حتّى لو كان مشتغلا بالآخر ، ولا يمكن الأمر به مشروطا بترك الآخر ؛ لأنّه ضروري الوقوع حينئذ ؛ لأنّه لا يمكن ارتفاعهما.
وعلى هذا فعجز المكلّف عن الجمع بين واجبين إنّما يحقّق التزاحم لا التعارض فيما إذا لم يكونا من قبيل النقيضين أو الضدّين اللذين لا ثالث لهما ، وإلا دخلت المسألة في باب التعارض.
ويمكننا أن نستنتج من ذلك أنّ ثبوت التزاحم وانتفاء التعارض مرهون بإمكان