٢ ـ قال : وأخبرني الشيخ أدام الله تأييده قال : سأل يحيى بن خالد البرمكى هشام بن الحكم رحمة الله عليه بحضرة الرشيد فقال له : أخبرني يا هشام عن الحق هل يكون في جهتين مختلفتين؟ فقال هشام : لا ، قال فخبرني عن نفسين اختصما في حكم في الدين وتنازعا واختلفا هل يخلوان من أن يكونا محقين أو مبطلين ، أويكون أحدهما مبطلا والآخر محقا؟ فقال هشام : لايخلوان من ذلك ، وليس يجوز أن يكونا محقين على ماقد مت من الجواب. فقال : له يحيى بن خالد : فخبرني عن علي والعباس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل؟ إذ كنت لاتقول : إنهما كانا محقين ولا مبطلين. فقال هشام : فنظرت إذا إنني إن قلت : إن عليا عليهالسلام كان مبطلا كفرت وخرجت عن مذهبي ، وإن قلت : إن العباس كان مبطلا ضرب عنقي ، ووردت علي مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك الوقت ، ولا أعددت لها جوابا ، فذكرت قول أبي عبدالله عليهالسلام وهو يقول لي : ياهشام لاتزال مؤيدا بروح القدس مانصرتنا بلسانك ، فعلمت أني لا اخذل ، وعن لي الجواب(١) في الحال فقلت له : لم يكن من أحدهما خطاء وكانا جميعا محقين ، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود عليهالسلام حيث يقول الله جل اسمه : « وهل أتيك نبؤالخصم إذتسو روا المحراب » إلى قوله تعالى : « خصمان بغى بعضنا على بعض » فأي الملكين كان مخطئا؟ وأيهما كان مصيبا؟ أم تقول : إنهما كانا مخطئين؟ فجوابك في ذلك جوابي بعينه ، فقال يحيى : لست أقول : إن الملكين أخطآ ، بل أقول : إنهما أصابا ، وذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم ، وإنما أظهرا ذلك لينبها داود عليهالسلام على الخطيئة ، ويعرفاه الحكم ويوقفاه عليه ، قال : فقلت له : كذلك علي والعباس لم يختلفا في الحكم ولم يختصما في الحقيقة ، وإنما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبها أبابكر على غلطه ، ويوقفاه على خطيئته ، ويدلاه على ظلمه لهما في الميراث ، ولم يكونا في ريب من أمرهما ، وإنما كان ذلك منهما على حد ماكان من الملكين. فلم يحرجوابا واستحسن ذلك الرشيد.(٢)
__________________
(١) أى ظهر أمامى الجواب.
(٢) الفصول المختارة ١ : ص ٢٥.