ماوجد بهذه الحروف من السماوات والارضين وغيرهما فهي محسوسة ملموسة مذوقة مبصرة ، فالله مقدم بوجوده على الابداع الذي هو خلقه الاول ، لانه ليس شئ قبله حتى يسبقه أيضا إبداع ، ولا كان شئ دائما معه ، والابداع متقدم على الحروف لوجودها به ، ومعنى كون الحروف غير دالة على معنى غيرنفسها هو أن الحروف المفردة إنما وضعت للتركيب ، وليس لها معني تدل عليه إلا بعد التركيب ، وظاهر كلامه عليهالسلام أن كل معنى يدل عليه الكلمات ويوضع بإزائها الالفاظ إنما هى محدثة ، وأما الاسماء الدالة على الرب تعالى فإنما وضعت لمعان محدثة ذهنية ، وهي تدل عليه تعالى ، ولم توضع أولا لكنه حقيقته المقدسة ، ولالكنه صفاته الحقيقية ، لانها إنما وضعت لمعرفة الخلق ودعائهم ، ولايمكنهم الوصول إلى كنه الذات والصفات ، ولذا قال : « لم يك إلا لمعنى لم يكن قبل ذلك شيئا » وإن أمكن أن يكون المراد بها غير أسمائه تعالى.
قوله عليهالسلام : « والصفات ولاسماء كلها تدل على الكمال والوجود » أي صفات الله وأسماؤه كلها دالة على وجوده وكماله ، لاعلى مايشتمل على النقص كالاحاطة وقوله : « كما تدل » بيان للمنفي ، أي كأن يدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس ، ويحتمل أن يكون المعنى : لان الاحاطة تدل على أن المحاط مشتمل على الحدود.
قوله عليهالسلام : « بمعرفتهم أنفسهم » أي على نحو مايعرفون أنفسهم ، أوبسبب معرفة أنفسهم. قوله عليهالسلام : « بالضرورة التي ذكرنا » أي لانه ضروري أنه لايحد بالحدود ولايوصف بها ، أو المعنى أنه تعالى لا يعرف بالتحديد لانه لايحل فيه الحدود ، وقد ذكرنا أنه ضروري أنه لاحد لغير محدود ، فلوعرف بالحدود يلزم كونه محدودا بها ، ولعل غرضه تنزيهه تعالى عن صفات تلك المعرفات بأن الحروف وإن دلت عليه لكن ليس فيه صفاتها ، والمعاني الذهنية وإن دلتنا عليه لكن ليس فيه حدودها ولوازمها.
ثم استدل عليهالسلام بأنه لابد أن ينتقل الناس من تلك الاسماء والصفات التي