قوله عليهالسلام : « وكان الذي خلق خلقين اثنين » لعله إشارة إلى الخلق الاول وهي الحروف ، ففي خلق الحروف يخلق شيئان : حرف وتحديد وتقدير قائم به ، (١) وليس شئ من الحرف والعرض القائم به ذالون ووزن وذوق « وجعل أحدهما يدرك بالآخر » أي الحرف يعرف بالحدود القائمة به ، فيعرف بأنه شئ محدود ، أو المعنى أنه لولم يكن محدودا لم يكن مدركا بالحواس ، وجعل الحرف وحده كليهما مدركين بنفسهما لابآثارهما ، فإن الامور المحسوسة إنما تدرك بأنفسها لا بآثارها « ولم يخلق شيئا فردا » عن الحدود والتقديرات « قائما بنفسه دون غيره » أي من غير أن يخلق معه غيره كالحدود لانه أراد أن يكون حروفا وأصواتا دالة على نفسه وإثبات وجوده ، وما يكون دالا على المعاني هاديا للناس إلى المعرفة لايكون إلا محسوسا ، وكل محسوس يكون محدودا ، والمعنى أنه أراد أن يكون محدودا ليدل بكونه على هذه الحالة على إمكانه وافتقاره إلى الصانع ، فيكون بوجوده بنفسه دالا على الصانع لا باعتبار مدلوله.
قوله عليهالسلام : « ولا يكنه » أي لايستره. وقال الجوهري : ارتبك الرجل في الامر أي نشب فيه ولم يكد يتخلص منه. قوله : « المتفاوت عقله » أي المتباعد عنه عقله ، من التفاوت بمعنى التباعد أو بمعنى الاختلاف ، أي لا يثبت عقله على أمر ثابت ، بل يكون دائما في الشك والتردد.
أقول : هذا الخبر من متشابهات الاخبار التي لايعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم ، ولا يلزمنا فيها سوى التسليم ، وإنما ذكرنا فيها ماذكرنا فيها ماذكرنا على سبيل الاحتمال على قدر مايصل إليه فهمي الناقص ، مع أن في تلك الاخبار الطويلة المشتملة على المعاني المعضلة كثيرا ما يقع التحريف والاسقاط من الرواة. والله يعلم وحججه صلوات الله عليهم حقائق كلامهم.
__________________
(١) ويحتمل أن يكون المراد بالتقدير الابداع أيضا ، والمحدث انما يدرك ويظهر بالابداع ، وفى كل خلق يحدث شيئان : مبدع وابداع متعلق به ، لكن في تطبيق مابعده عليه يحتاج إلى نوع عناية تظهر بالتأمل الصادق. منه قدس الله سره.