وقال تبارك وتعالى : « وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا »(١).
وقال سبحانه بعد أن نبأه عنهم في الجملة : « لو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ».(٢)
فدل عليهم بمقالهم ، وجعل الطريق له إلى معرفتهم مايظهر من نفاقهم في لحن قولهم ، ثم أمره بمشورتهم ليصل ما يظهر منهم إلى علم باطنهم ، فإن الناصح يبدو نصيحته في مشورته ، والغاش المنافق يظهر ذلك في مقاله ، فاستشارهم صلىاللهعليهوآله لذلك ، ولان الله جل جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم ، ألاترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه صلىاللهعليهوآله في الاسرى فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحته كشف الله ذلك له ، وذمهم عليه ، وأبان عن إدغالهم فيه ، فقال جل اسمه : « ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم » (٣) فوجه التوبيخ إليهم ، والتعنيف على رأيهم ، وأبان لرسوله صلىاللهعليهوآله عن حالهم ، فيعلم أن المشورة لهم لم يكن للفقر إلى رأيهم ، ولكن كانت لما ذكرناه.
فقال شيخ من القوم يعرف بالجراحي(٤) وكان حاضرا : ياسبحان الله أترى أن أبابكر وعمر كانا من أهل نفاق؟ كلاما نظنك أيدك الله تطلق هذا ، ومارأينا صلىاللهعليهوآله استشار ببدر غيرهما ، (٥) فإن كانا هما من المنافقين فهذا مالانصبر عليه ولانقوى على استماعه ، وإن لم يكونا من جملة أهل النفاق فاعتمد على الوجه الاول ، وهوأن النبي صلىاللهعليهوآله أراد أن يتألفهم بالمشورة ، ويعلمهم كيف يصنعون في امورهم.
فقال له الشيخ أدام الله نعماءه : ليس هذا من الحجاج أيها الشيخ في شئ ، و إنما هو في استكبار واستعظام معدول به عن الحجة والبرهان ، ولم نذكر إنسانا بعينه وإنما أتينا بمجمل من القول ففصله الشيخ وكان غنيا عن تفصيله.
__________________
(١) النساء : ١٤٢.
(٢) محمد : ٣٠.
(٢) الانفال : ٦٧. ٦٨.
(٤) في نسخة : يعرف بالحرانى.
(٥) في المصدر : وما رأينا ان النبى صلىاللهعليهوآله استشار ببدر غيرهما.