فضله عندالله تعالى على الكافة وجود من هو أفضل منه في المستقبل ، لانه لوجاز ذلك لما عدل القوم عن الاعتماد عليه ، ولجعلوه شبهة في منعه مما اد عاه من القطع على نقصانهم عنه في الفضل ، وفي عدول القوم عن ذلك دليل على أن القول مفيد بإطلاقة فضله عليهالسلام ، ومؤمن من بلوغ أحد منزلته في الثواب بشئ من الاعمال ، وهذا بين لمن تدبره.(١)
١٣ ـ ومن حكايات الشيخ أدام الله عزه وكلامه : حضرالشيخ مجلس أبي منصور ابن المرزبان وكان بالحضرة جماعة من متكلمي المعتزلة ، فجرى كلام وخوض في شجاعة الامام(٢) فقال أبوبكر بن صراما : عندي أن أبابكر الصديق كان من شجعان العرب ومتقدميهم في الشجاعة! فقال الشيخ أدام الله عزه : من أين حصل ذلك عندك؟ وبأي وجه عرفته؟ فقال : الدليل على ذلك أنه رأى قتال أهل الردة وحده في نفرمعه ، وخالفه على رأيه في ذلك جمهور الصحابة وتقاعدوا عن نصرته ، فقال : أماوالله لومنعوني عقالا لقاتلتهم ، ولم يستوحش من اعتزال القوم له ، ولاضعف ذلك نفسه ، ولامنعه من التصميم على حربهم ، فلولا أنه كان من الشجاعة حد يقصر الشجعان عنه لما أظهر هذا القول عند خذلان القوم له!.
فقال الشيخ أدام الله عزه : ما أنكرت على من قال لك : إنك لم تلجأ إلى معتمد عليه في هذا الباب ، وذلك أن الشجاعة لاتعرف بالحسن لصاحبها فقط ولا باد عائها ، وإنما هي شئ في الطبع يمده الاكتساب ، والطريق إليها أحد الامرين : إما الخبر عنها من جهة علام الغيوب المطلع على الضمائر جلت عظمته ، فيعلم خلقه حال الشجاع وإن لم يبد منه فعل يستدل به عليها ، والوجه الآخر أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله كمبارزة الاقران ، ومقاومة الشجعان ، ومنازلة الابطال ، والصبر عند اللقاء ، وترك الفرار عند تحقق القتال ، ولا يعلم ذلك أيضا بأول وهلة ، (٣) ولا بواحدة من الفعل
__________________
(١) الفصول المختارة ١ : ٥٩ ٦٤.
(٢) في المصدر هنا زيادة وهى : وهل ذلك شرط يجب في الامامة أم لايجب؟ ومضى فيه طرف على سبيل المذا كرة.
(٣) يقال : لقيته أول وهلة أو واهلة أى أول شئ.