الشمس « وجدها تغرب » أي كأنها تغرب « في عين حمئة » وإن كانت تغرب وراءها ، لان الشمس لا تزائل الفلك ولا تدخل عين الماء ، ولكن لما بلغ ذلك الموضع تراءى له كأن الشمس تغرب في عين ، كما أن من كان في البحر يراها كأنها تغرب في الماء ، ومن كان في البر يراها كأنها تغرب في الارض الملساء ، والعين الحمئة : هي ذات الحمأ وهي الطين الاسود المنتن. والحامية : الحارة ، وعن كعب قال : أجدها في التوراة : تغرب في ماء وطين « إما أن تعذب » أي بالقتل من أقام منهم على الشرك « وإما أن تتخذ فيهم حسنا » أي تأسرهم وتمسكهم بعد الاسر لتعلمهم الهدى ; وقيل : معناه : وإما أن تعفو عنهم ، واستدل من ذهب إلى أنه كان نبيا بهذا ، وقيل : ألهمه ولم يوح إليه « أما من ظلم » أي أشرك « فسوف نعذبه » أي نقتله إذا لم يسلم « نكرا » أي منكرا غير معهود في النار « فله جزاء الحسنى » أي له المثوبة الحسنى جزاء « وسنقول له من أمرنا يسرا » أي قولا جميلا ، وسنأمره بما يتيسر عليه « ثم أتبع سببا » أي طريقا آخر من الارض يوصله إلى مطلع الشمس « حتى إذا بلغ مطلع الشمس » أي ابتداء المعمورة من جانب المشرق. (١)
« كذلك » قال البيضاوي : أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك ، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار « وقد أحطنا بما لديه » من الجنود والآلات والعدد والاسباب « خبرا » أي علما تعلق بظواهره وخفاياه ، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير « ثم أتبع سببا » يعني طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب آخذا من الجنوب إلى الشمال « حتى إذا بلغ بين السدين » بين الجبلين المبني عليهما سده ، وهما جبلا أرمنية وآذربيجان ; وقيل : جبلان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك ، من ورائهما يأجوج ومأجوج « لا يكادون يفقهون قولا » لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم « قالوا يا ذاالقرنين » أي قال مترجمهم ; وفي مصحف ابن مسعود : قال الذين من دونهم « فهل نجعل لك خرجا » أي جعلا نخرجه من أموالنا؟ « قال ما مكني فيه ربي خير » أي ما جعلنا فيه مكينا من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ، ولا حاجة بي إليه « فأعينوني بقوة » أي بفعلة ، أو بما أتقوى به من الآلات « ردما » أي حاجزا
__________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٤٨٩ ـ ٤٩١. م