والبسك الهيبة فلا يروعك شئ ، واسد دلك رأيك فتصيب كل شئ ، واسخر لك جسدك فتحس كل شئ ، واسخر لك النور والظلمة وأجعلهما جندين من جندك : النور يهديك ، والظلمة تحوطك (١) وتحوش عليك الامم من ورائك.
فانطلق ذولقرنين برسالة ربه عزوجل وأيده الله بما وعده ، فمر بمغرب الشمس فلا يمر بأمة من الامم إلا دعاهم إلى الله عزوجل ، فإن أجابوه قبل منهم وإن لم يجيبوه أغشاهم الظلمة ، فأظلمت مدائنهم وقراهم وحصونهم وبيوتهم ومنازلهم ، وأغشت أبصارهم و دخلت في أفواههم وآنافهم (٢) وأجوافهم فلا يزالوا فيها متحيرين حتى يستجيب الله عز وجل ويعجوا إليه ، حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها الامة التي ذكرها الله عزوجل في كتابه ، ففعل بهم ما كان فعله بمن مربه قبلهم ، حتى فرغ مما بينه وبين المغرب ووجد جمعا وعددا لايحصيه إلا الله عزوجل ، وقوة وبأسا لا يطيقه إلا الله ، وألسنة مختلفة ، وأهواء متشتة ، وقلوبا متفرقة.
ثم مشى على الظلمة ثمانية أيام وثمان ليال وأصحابه ينظرونه حتى انتهى إلى الجبل الذي هو محيط بالارض كلها ، فإذا بملك من الملاكئة قابض على الجبل وهو يقول : سبحان ربي من الآن إلى منتهى الدهر ، سبحان ربي من أول الدنيا إلى آخرها ، سبحان ربي من موضع كفي إلى عرش ربي ، سبحان ربي من منتهى الظلمة إلى النور ، فلما سمع ذو القرنين خر ساجدا فلم يرفع رأسه حتى قواه الله عزوجل وأعانه على النظر إلى ذلك الملك ، فقال له الملك : كيف قويت يا ابن آدم على أن تبلغ إلى هذا الموضع ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك؟ قال ذو القرنين : قواني على ذلك الذي قواك على قبض هذا الجبل (٣) وهو محيط بالارض كلها ، قال له الملك : صدقت ولولا هذا البجل لا نكفأت الارض بأهلها ، (٤) وليس على وجه الارض جبل أعظم منه ، وهو أول جبل أسسه الله (٥) عزوجل ، فرأسه ملصق
__________________
(١) أى تحفظك وتعهدك.
(٢) في المصدر : أفواههم وآذانهم وأجوافهم. م
(٣) في المصدر بعد ذلك : فأخبرنى عنك أيها الملك ، قال : انى موكل بهذا الجبل وهو اه. م
(٤) أى مالت بأهلها وقلبتها.
(٥) أى مالت : أثبته الله. م