يأكلون معه شيئا غيره ، وهم لا يحصي عددهم إلا الله عزوجل الذي خلقهم ، وإذا أخطأهم التنين قحطوا وأجدبوا وجاعوا وانقطع النسل والولد ، وهم يتسافدون (١) كما تتسافد البهائم على ظهر الطريق وحيث ما التقوا ، فإذا أخطأهم التنين جاعوا وساحوا في البلاد فلا يدعون شيئا أتوا عليه إلا أفسدوه وأكلوه ، فهم أشد فسادا فيما أتوا عليه من الارض من الجراد والبرد والآفات كلها ، وإذا أقبلوا من أرض إلى أرض جلا أهلها عنها وخلوها ، وليس يغلبون ولا يدفعون حتى لا يجد أحد من خلق الله موضعا لقدمه ، ولا يخلو للانسان قدر مجلسه ، ولا يدري أحد من خلق الله كم من أولهم إلى آخرهم ، ولا يستطيع شئ من خلق الله أن ينظر إليهم ، ولا يدنو منهم نجاسة وقذرا وسوء حلية فبهذا غلبوا ، ولهم حس وحنين إذا أقبلوا إلى الارض يسمع حسهم من مسيرة مائة فرسخ لكثرتهم ، كما يسمع حس الريح البعيدة أوحس المطر البعيد ، ولهم همهمة إذا وقعوا في البلاد كهمهمة النحل إلا أنه أشد وأعلى صوتا ، يملا الارض حتى لايكاد أحد يسمع من أجل ذلك الهمهمة شيئا ، وإذا أقبلوا إلى الارض حاشوا وحوشها وسباعها حتى لايبقى فيها شئ منها ، وذلك لانهم يملؤون مابين أقطارها ، ولايتخلف وراءهم من ساكن الارض شئ فيه روح إلا اجتلبوه (٢) من قبل أنهم أكثر من كل شئ ، وأمرهم عجب من العجب ، وليس منهم أحد إلا وقد عرف متى يموت ، وذلك من قبل أنه لا يموت منهم ذكر حتى يولد له ألف ولد ، ولا يموت منهم أنثى حتى تلد ألف ولد ، فبذلك عرفوا آجالهم ، فإذا ولدوا الالف برزوا للموت وتركوا طلب ماكانوا فيه من المعيشة والحياة ، فتلك قصتهم من يوم خلقهم الله تعالى إلى يوم يفنيهم. (٣)
ثم إنهم أجفلوا (٤) في زمان ذي القرنين يدورون أرضا أرضا من الارضين ، وامة امة من الامم وهم إذا توجهوا الوجه لم يعدلوا عنه أبدا ، ولا ينصرفوا يمينا وشمالا ، (٥)
__________________
(١) أى يجامعون.
(٢) في المصدر : الا احتلفوه « اجتلبوه خ ل » اجتلبوه أى جاؤوا به. واختلفوا : أخذه من خلفه. واختلف إلى المكان : تردد.
(٣) في نسخة : إلى يوم القيامة يفنيهم.
(٤) في المصدر : جعلوا م.
(٥) في نسخة : ولا شمالا.