وتقديره : أعصر عنب خمر ، أي العنب الذي يكون عصيره خمرا ، فحذف المضاف ، قال الزجاج وابن الانباري : والعرب تسمي الشئ باسم مابؤول إليه وإذا وضح المعنى ولم يلتبس ، يقولون : فلان يطبخ الآجر ويطبخ الدبس ، وإنما يطبخ اللبن والعصير ; وقال قوم : إن بعض العرب يسمون العنب خمرا حكى الاصمعي عن المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا ومعه عنب فقال له : مامعك؟ قال خمر. وهو قول الضحاك ، فيكون معناه إني أعصر عنبا وروي في قراءة عبدالله وابي جميعا : « إني رأيتني أعصر عنبا » وقال صاحب الطعام : إني رأيت كان فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وأنواع الاطعمة ، وسباع الطير تنهش منه (١) وأما تعبير رؤيا الساقي فروي أنه قال : أما العناقيد الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تبقي في السجن ثم يخرجك الملك في اليوم الرابع وتعود إلى ما كنت عليه ، وأجرى على مالكه صفة الرب لانه عبده فأضافه إليه ، كما يقال : رب الدار ، ورب الضيعة ; وأما صاحب الطعام فروي أنه قال له : بئسما رأيت ، أما السلال الثلاث فإنها ثلاثة أيام تبقى في السجن ثم يخرجك الملك فيصلبك فتأكل الطير من رأسك. فقال عند ذلك : ما رأيت شيئا وكنت ألعب ، فقال يوسف : « قضي الامر الذي فيه تستفتيان » أي فرغ من الامر الذي تساءلان وتطلبان معرفته ، وما قلته لكما فإنه نازل بكما وهو كائن لا محالة ، وفي هذا دلالة على أنه كان يقول ذلك على جهة الاخبار عن الغيب بما يوحى إليه لا كما يعبر أحدنا الرؤيا على جهة التأويل انتهى. (٢)
أقول : لا يخفى أن ظاهر الآيات هو أنهما كانا رأيا في المنام ما ذكره عليهالسلام على وجه التعبير. فإن كان ما أورده علي بن إبراهيم خبرا كما فهمه رحمهالله فلتأويله وجه وإلا فلا. (٣)
٥ ـ فس : قال علي بن إبراهيم : ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه ، فلما
__________________
(١) نهش اللحم : أخذه بمقدم أسنانه ونتفه.
(٢) تفسير القمى : ٢٣٢ ـ ٢٣٤. م
(٣) يمكن استظهار كلا الموضوعين عن قوله تعالى : « قضى الامر الذى فيه تستفتيان » و يستظهر الثانى أيضا من قوله : « ذلكما مما علمنى ربى ».